إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، ديسمبر 30، 2010

فيلم "2048" .... إسرائيل مجرد وثائق ومقابر وتذكارات في محل فلسطيني!



فقط مائة عام هي كل عُمر دولة إسرائيل (1948ــ 2048) وستصبح أثراً من آثار التاريخ، مجرد ذكرى مشوشة في عقول من عاصروها. ليتحول حلم تيودور هرتزل إلى وثائق متربة تتحدث عن دولة كانت، ومقابر مندثرة في أماكن متفرقة، ولاجئين في دول العالم يحلمون من جديد بالعودة إلى الأرض الموعودة.
هكذا يرى الفيلم العبري "2048" لمخرجه "يارون كفتوري" زوال الكيان الإسرائيلي عن العالم، فإسرائيل ستأكل نفسها، وستصبح مجرد عاديات أثرية في متجر رجل فلسطيني يحكي عن تاريخ قديم لم يعرفه أحد، وقد عاد الفلسطينيون إلى أراضيهم وإقامة دولتهم، حسب دورة التاريخ وحتميته.


عالم الكوابيس
الكيان الصهيوني القائم على المجازر واحتلال الأراضي الفلسطينية، وجهاز مخابراتي يحكم دولة تدّعي الديمقراطية، بالإضافة لجرائم الاغتيالات المنظمة لكل مناهضي ومعارضي هذا الاحتلال داخل وخارج إسرائيل. كل هذا جدير بزوال هذا الكيان المسمى دولة، فالفيلم يرى أنها دولة بوليسية في الأساس، كما أن مشكلاتها الداخلية المتأصلة، والتي لا تحب إسرائيل ذكرها وكأنها من التابوهات، هي التي ستقوّض هذا الكيان وتفنيه. فالفساد المستشرى لدى الفئة الحاكمة، والنزاع الطائفي العلماني، والمعاملة السيئة للعمال الأجانب، والتفاوت الطبقي الصارخ، كلها أسباب كافية لتدمير إسرائيل ذاتياً، ليصحو العالم ذات يوم ويبحث عن اسم إسرائيل في متحف التاريخ، بعد مائة عام من كابوس ثقيل كان يجثم على ضمير هذا العالم.

إسرائيل مجرد ذاكرة تتآكل
من خلال خيال توثيقي يحاول مخرج إسرائيلي (يوجو نيتزر) في عام 2048 البحث عن إسرائيلي الشتات الجديد، بعدما دُمرت إسرائيل وانتهت تماماً، ولم تعد باقية فقط إلا في ذكريات مَن شهدوا نهايتها وعاصروها.
وعن طريق حوارات مُتخيّلة يحاول الفيلم اكتشاف أسباب ما حدث، وشعور هؤلاء بعد زوال دولتهم. وهنا لا يوجد إلا قِلة من الناس تروي حكاياتها بالعبرية واليديشية ــ لغة الأشكينازــ عن كيفية طرد العرب  لليهود، وإقامة الدولة الفلسطينية. وشهود العيان هؤلاء، والمشتتين في عدة أماكن كقبرص وغيرها، استشعروا خطر زوال دولتهم، ففروا هاربين، ليواصلوا حلماً قديماً بمجرد فقط العودة إلى أرض الميعاد، والعيش كأقلية مسالمة وكرعايا في الدولة الفلسطينية.

تبدأ حكاية الفيلم بعثور المخرج  الشاب في عام 2048 على شريط ل
فيلم وثائقي، قام جده بتصويره عام 2008، في الذكرى الستين لتاسيس الكيان الصهيوني، وما كان عليه من صلف وتعنت، ليسرد الواقع الإسرائيلي الحالي من وجهة نظر الماضي، وبالعودة إلى العام 2048 اللحظة الراهنة للمخرج، وبالمقابل لا يجد من إسرائيل التي كان يشاهدها كما صورها جده  سوى .. مقابر تشهد على وجودهم في ما مضى، وبعض الجرار الفخارية التي تحتفظ برماد موتاهم، وقسم مهجور للدراسات الصهيونيّة في مكتبة برلين يعلوه التراب ولا يقتربه أحد، وكأنهم لا يريدون تذكّر هذا التاريخ البائد. إضافة إلى متجر لبيع التذكارات في فلسطين، حيث يقوم فلسطيني ببيع السائحين آثار تاريخ كان ولن يعود.

حتمية زوال إسرائيل
يرى مخرج الفيلم وكاتبه "يارون كفتوري" أن اليهود اليوم لا يزالوا يعيشون على تقاليد الصهيونية البالية، ويحيون على أساطير تاريخية لا أساس لها من الصحة،
فالصهيونية عيوبها كثيرة وأبرزها الانشغال المفرط بالذات، والتعالي ورفض الآخر. وهي بهذا الشكل عبارة عن مجرد محاولة إيديولوجية فاشلة، مصيرها إلى زوال. فيقول "إسرائيل اليوم مختلفة تماماً عن حالها قبل عدة عقود حينما أردناها دولة ديمقراطية وليبرالية، فصارت شوفينية لا تؤمن إلا بالقوة".

والمخرج الذي عارض من قبل احتلال الأراضي العربية عام 1967، يرى الآن أن الخطر الداخلي داهم وأشد من مخاطر إيران والعرب وغيرها من التهديدات الخارجية.

فالفيلم رغم الصورة القاتمة التي يصورها لمستقبل إسرائيل ما هو إلا رؤية  من خلالها يحفّز المشاهدين على ضرورة تغيير الوضع القائم داخل هذا الكيان المتأزم.

ويضيف كفتوري إنه محب للتاريخ ولذا فهو لا يستطيع أن يتهرب من حقيقة أن الأيام دول, موضحاً أنه بعد نقاط الذروة والانتشاء تأتي سنوات من الضربات والطرد والجلاء, وكل ذلك في دائرية تعود على نفسها، والإسرائيليون ليسوا خارجها.
الجدير بالذكر أن الفيلم والذي مدته خمسين دقيقة، قد عرض مؤخراً ضمن "مهرجان القدس السينمائي"، رغم تعارض صارخ في الآراء، ما بين مهاجمة شديدة، خاصة من قِبل اليمين والمتطرفين اليهود، حتى أن القنوات الإسرائيلية قد رفضت بث الفيلم تحت ضغط سيطرة اليمين المتشدد، إلا أن بعض الأصوات العاقلة داخل إسرائيل رأت في الفيلم أنه يسرد نتائج حتمية لواقع شديد القلق والاضطرب.
 

العلمانية ... فكرة وضع الدين في مكانه الصحيح



قراءة في رؤى نصر أبو زيد ومحمد أركون ورجاء بن سلامة 

 

في ظل أنظمة سياسية تفتقد شرعيتها ومصداقيتها بالنسبة إلى شعوبها والعالم، جاء سوء الفهم المزمن الذي يلاحق مفهوم العلمانية ــ رغم حتميتها كواقع ــ الذي أسبغه عليها الأصوليون ومفسرو النصوص الدينية، ليصبحوا السلطة الوحيدة والمطلقة.

النظرة المغلوطة إلى العلمانية
تشير بن سلامة بداية إلى أن النظرة المغلوطة إلى العلمانية تمت إشاعتها، والترويج لها، من قِبل رجال الدين ومفسري النصوص الدينية، الذين يعيشون في ظل أنظمة سياسية قمعية تحاول تصوير العلمانية على أنها مرادف للإلحاد، لأنها لن تسمح لهم بما يتمتعون به من سلطة على شعوبهم، وتكشف زيف خطابهم المتمسح بالنص المقدس. وتؤكد خلال محاضرتها أن العلمانية تشير إلى مبدأ الفصل بين الدين وكل من السياسة والقانون، وهي بهذا ليست مذهباً، بل إطار يسمح بتعايش كل المذاهب والمعتقدات.
وتضيف ..علمانية اليوم تختلف عن علمانية الأنظمة الشمولية التي فرضت الإلحاد كأيديولوجية، كما فعل النظام البلشفي على سبيل المثال، كما أن العلمانية لا تنافي المقدس، لكن تحويل الطقوس المحددة إلى طقس ممتد، سيحول الحياة إلى دير كبير، فإما أن يتحول الإنسان إلى متصوف، وسيخرج عن عالم الناس، أو ينعزل ويتطرف، ويصبح قوة مدمرة للعالم، وهو ما يحدث الآن في حركات العنف الديني.

مفهوم العلمانية
ولكي تكتمل الصورة يرى نصر أبو زيد أن العلمانية تبدأ بإعمال العقل الحر، و هي تعني فصل الدين عن الدولة، دون فصل الدين عن المجتمع، والفارق شاسع بين المفهومين، فلا يستطيع أحد أن يفصل الدين عن المجتمع، كما أن الدين ينتمي إلى سلطة المقدس والمطلق، وهذه السلطة ليست سلطة هيمنة واستعباد، إنما حررت الإنسان من كهنوت الطبيعة وكهنوت البشر. أما محمد أركون فيرى أن العلمنة لا تعني مناهضة الدين أو السعي للحد من ممارسته في المجتمع، بل تقول بوضع الدين في المكان الصحيح لموقعه الروحي والأخلاقي، وتعارض هيمنته على السياسة وخوضها غمار الصراع على السلطة. ويذهب أركون إلى أبعد من ذلك فيرى في العلمانية أيضا مسألة خاصة بالمعرفة قبل كل شيء، دون اقتصارها فقط على مبدأ فصل الدين عن الدولة، ويشدد على مدى الترابط الحتمي بين العلمانية والحرية، وبذلك لا يمكن أن تتحول العلمانية إلى أيديولوجيا أو «دوجما»، وإلا فقدت هويتها. ويشير إلى أن الأديان قدمت للإنسان ليس فقط التفسيرات والإيضاحات، وإنما قدمت أيضاً الأجوبة العلمية القابلة للتطبيق والاستخدام مباشرة في ما يخص علاقتنا بالوجود والآخرين، بل وحتى الكون كله.
وتتنافى العلمانية التي يراها أركون مع العلمانية المفروضة، التي تحدث عنها في كتابه «العلمنة والدين»، وهي التي تسعى جاهدة إلى إبعاد الدين عن الحياة العامة وترفض الاعتراف بموقع الوحي وتأثيره على المسار التاريخي للشعوب والثقافات وأنظمة الفكر، ويسوق مثالا على ذلك بالتجربة العلمانية التركية التي قادها مصطفى كمال أتاتورك في الربع الأول من القرن العشرين.


«فعلمانية تركيا سعت إلى الهيمنة على الدين ووضعه تحت سلطتها، وهذا مناقض للمبدأ العلماني القائل بفصل المجال الديني عن السياسي، لكن في تركيا تم فرضها على الشعب بسبب طابعها الغربي المستورد، لذلك لم تحظ بالتأييد الجماهيري، وظلت عملية خارجية، وهي خطرة من الناحيتين العقلية والثقافية لأنها لم تأخذ في الحسبان البعد الديني للمجتمع التركي ولا للتعددية العرقية والطائفية، وهو ما يفسر الصحوة الدينية في تركيا، ووصول القوى الإسلامية إلى السلطة (حزب العدالة والرفاه التركي)، التي تعكس الرغبة الشعبية في الاتجاهات الإسلامية في تركيا».

للخطاب الديني كما يرى أبو زيد شروطه التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فهو «إذن يمتلك أبعاداً ملموسة ومحسوسة، وهو في جوهره غير مقدس لأنه متناقض، ولا يمكن أن يمتلك سلطة مطلقة وأزلية، لأنه يحل حينئذ محل المقدس الإلهي، وبالتالي فإن إلباس الخطاب الديني عباءة المقدس هو محاولة لإضفاء وممارسة سلطة أزلية لا محدودة تقف وراءها غايات ومصالح ومواقف وأحوال وبشر. وفي ظل دول قمعية وأنظمة حكم تفتقد شرعيتها، يتم استخدام هذا الخطاب المتمسح بالدين لتصفية خصومها ونشر أفكارها لتحقيق مكاسب سياسية، فالدولة بذلك أصبحت أكثر أصولية في تحديد دينها، رغم أن دساتير معظمها ينص على مبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما تنادي به العلمانية، لكن هذه الدول في الواقع لا تعمل من خلال هذا الإطار، وتتخذ الأغلبية فيها سواء كانت دينية أم طائفية قوة ضغط على الفئات والأقليات في هذه الدول، وهو ما يوضح إلى حد كبير ضعف أنظمة الحكم العربية، التي تساعد رجال الدين والفئة الأكثر تأثيراً على تصوير العلمانية بأنها الخطر الأكبر لتهديد السِلم الاجتماعي».

فتاوى منتهية الصلاحية



ترى بن سلامة أن ما يتم حاليا هو استبدال إعمال العقل وتحرره بفتاوى منتهية الصلاحية ومثيرة للشفقة، كفتوى إرضاع الكبير وتحريم الغناء والتصفيق. وتضيف أن المحاولات لم تزل مستميتة منذ منصف القرن الفائت حتى الآن، حيث يتشكّل ويتلوّن الخطاب الديني، وتذكر بعض الأمثلة كقيام الحركات الإسلامية المختلفة في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات بتشجيع من قبل بعض الدول العربية الخليجية، التي لعبت دوراً كبيراً في دعم ونشر العقيدة الوهابية في كل الأقطار العربية الإسلامية، وموقف الرئيس الراحل أنور السادات، الذي أراد لهذه الجماعات والفرق أن تنشط لتقف في وجه الماركسية، وقيام الثورة الدينية الإيرانية ونهاية العهد الإمبراطوري في إيران في العام 1979، وما استتبع ذلك من أحداث وطموحات في إطار تصدير الثورة خارج إيران، و ممارسة العنف السياسي من قبل الجماعات الإسلامية في مصر والجزائر وسورية والخليج «الإخوان المسلمين في مصر، جبهة الإنقاد في الجزائر».. وأخيرا وليس آخرا تنامي الاتجاهات والدعوات السلفية سواء في المشرق أو المغرب، وما ترتب عن ذلك من اشتداد الرقابة على الكتب الفكرية المعارضة، وظهور العديد من الصحف والمجلات والدوريات الإسلامية في مصر والخليج العربي التي تدعو إلى تبني الرؤية المتشددة للدين وازدراء الآخر، وتصدير الخطابات الإعلامية غير المسؤولة.


الدولة العلمانية
ترى رجاء بن سلامة أن الواقع يخضع للعلمانية، لأنها فلسفة معرفية تبنى على استقلال العقل البشري، وتتعلق بالواقع الاجتماعي أي «المواطنة». فمن خلال القانون، كطرف ثالث، ممثلاً للسلطة ومرجعية أعلى يحتكم إليه الجميع، من الممكن حل مشكلة العنف الديني والطائفي، فالمواطنة هي مبدأ توحيد المختلفين داخل إطار القانون، وتؤكد أنه لا يوجد أحد يمتلك الحقيقة الوحيدة والمطلقة، والعلمانية بما تتيحه من عقلانية نقدية تتعامل مع العقل البشري على أنه «خطاء ومحدود»، وكل خطاب لا بد أن يتحمل النقد، بخلاف الخطاب المستند إلى النصوص المقدسة، الذي يرى نفسه الحقيقة المطلقة، التي تنفي كل ما عداها. ويعمّق نصر أبو زيد هذا المفهوم من حيث أن الدولة ليست المجتمع، بل هي الجهاز الإداري والسياسي والقانوني، الذي ينظم الحياة داخل المجتمع، وإذا كان الدين قوة اجتماعية، فهو أيضاً ليس المجتمع، فالمجتمع جماعات وأديان، ومن حقّ بعض الجماعات على الدولة أن تحميها كي لا ينتج نوع من عدم المساواة في المجتمع الواحد ـ حسب تعبير بن سلامة ـ ومن هنا فدور الدولة كجهاز منظّم لسير الحياة في المجتمع ـ المتعدّد الأديان بطبيعته ـ يجب أن يكون محايداً، وألا يكون للدولة دين تتبنّاه وتدافع عنه وتحميه، لأن دورها حماية الناس لا حماية العقائد.

أصوليون علمانيون
وأخيراً، ترى بن سلامة أنه رغم الإنكار الشديد للعلمانية، فالأصوليون يتوسلون بمفرداتها، وعندما يدحضونها يستخدمون طرقها وآلياتها من حيث الحرية والديمقراطية، فحجج مشروعية الحجاب التي يسوّقها الأصوليون في أوروبا مُستمدة من الديمقراطية، كما تلجأ بعض الأحزاب والحركات الدينية إلى النموذج الديمقراطي ـ وهونموذج علماني ـ عند ممارسة الانتخابات والحديث عن تداول السلطة في بلادهم، لكنها خدعة يمارسونها ليس أكثر، فهم لا يعترفون بالديمقراطية إلا لتحقيق أهدافهم فقط والتي ما إن تتحقق حتى يستبعدوا الآخر من نطاقهم، ويعودوا إلى النص الديني وتأويله المغلق مرّة أخرى.

الجمعة، ديسمبر 24، 2010

من أحلام نجيب محفوظ



(1)

جاءني شخص في المنام ومد لي يده بعلبة من العاج قائلاً:
- تقبل الهدية.
ولما صحوت وجدت العلبة على الوسادة.
فتحتها ذاهلاً، فوجدت لؤلؤة في حجم البندقة.
بين الحين والحين أعرضها على صديق أو خبير وأسأله:
- ما رأيك في هذه اللؤلؤة الفريدة؟
فيهز الرجل رأسه ويقول ضاحكاً:
- أي لؤلؤة... العلبة فارغة....
وأتعجب من إنكار الواقع الماثل لعيني.
ولم أجد حتى الساعة مَن يصدقني.
ولكن اليأس لم يعرف سبيله إلى قلبي.

(2)


هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقاً لمعرفة المسئول عما حاق بنا، ولكنى أحبطت عندما دار الحديث بين القاضى والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل، حتى اعتدل القاضى فى جلسته استعداداً لإعلان الحكم باللغة العربية، فاسترددت للأمام، ولكن القاضى أشار إلىّ أنا ونطق بحكم الإعدام، فصرخت منبها إياه بأننى خارج القضية وإنى جئت بمحض اختيارى لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخى.

(3)

تأبطت الجميلة الشابة ذراعي، ووقفنا أمام بيّاع الكتب الذي يفرش الأرض بكتبه، ورأيت كتبي التي تشغل مساحة كبيرة. وتناولت كتاباً وقلبت غلافه، ففوجئت بأنني لم أجد سوى ورق أبيض، فتناولت كتاباً آخر وهكذا جميع الكتب لم يبق منها شيء. واسترقت النظر إلى فتاتي فرأيتها تنظر إليّ برثاء.


(4)

اشتقت لرؤية أهلي فانتقلت من فوري إلى البيت القديم، وهالني بأن أجده غارقاً في الظلام كأنهم استأنسوا بالظلمة، فناديتهم معاتباً رجلاً رجلاً وامرأة امرأة، ولكن لم يجبني أحد.. رجعت أكرر النداء حتى دمعت عيناي.



(5)

على سطح بيت قريب رأيت أثاثاً يُرتب وينمق، فسألت. قيل لى إن صاحب ذلك البيت حوّل بيته إلى معهد ثقافى بالمجان قانعا بالمعيشة فوق السطح، فأعجبت به وأكبرته وعزمت على حضور بعض دروسه ووجدت المكان غاصاً بالبشر وقال الرجل إن درس اليوم سيكون عن الثور الذى يحمل على قرنه الأرض. وصدمنى قوله بشدة ففرت منى ضحكة ساخرة، فاتجهت نحوى الوجوه شاخصة بالغضب. أما الرجل فرمانى بنظرة عابسة وهو يشير صامتاً إلى باب الخروج.


(6)

رأيتني في حي العباسية. أتجول في رحاب الذكريات. وتذكرت بصفة خاصة المرحومة عين، فاتصلت بتليفونها ودعوتها لمقابلتي عند السبيل، وهناك رحبت بها بقلب مشوق واقترحت عليها أن نقضي سهرتنا في الفيشاوي. وعندما بلغنا المقهي خف إلينا المرحوم المعلم القديم، ورحب بنا، غير أنه عتب علي المرحومة عين طول غيابها، فقالت إن الذي منعها عن الحضورالموت. فلم يقبل هذا الاعتذار، وقال : إن الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة.

الأربعاء، ديسمبر 22، 2010

Breaking the silence "ويكيليكس" على الطريقة الإسرائيلية



ما بين الفاوضات التي لفظت أنفاسها، وما بين اعتراف بعض دول أميركا اللاتينية بالدولة الفلسطينية، وتصفية الحسابات بين السياسيين في كل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وفقدانهم مصداقيتهم بين شعوبهم، أصبح الأمل يتعلق بضمير هذه الشعوب، ومدى إيمانها بالتعايش السلمي مع الآخر، ورؤية نفسها في مرآة الحقيقة.

إسرائيل تحاول التعرّف إلى حقيقتها
"كسر الصمت" منظمة غير حكومية تأسست فى عام 2004 بفضل مبادرة من جنود إسرائيليين وعدد من كبار المحاربين السابقين في الجيش، حيث تقوم بجمع شهادات حول العمليات العسكرية الإسرائيلية فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وقد
جمعت أكثر من 700 شهادة من المجندين وجنود الاحتياط، والتي تتناول أكثر من عشر سنوات منذ بداية الانتفاضة الثانية، وفى يوليو العام الماضي، كان تأثيرها الأكبر بنشر شهادات 30 جندياً مقاتلاً تقريباً شاركوا في الحرب على قطاع غزة في شتاء 2009م.
وتهدف المنظمة إلى فضح العسكرية والحكومة الإسرائيلية أمام الرأى العام الإسرائيلي والعالم، وهي المرّة الأولى التي يتم فيها ذلك من خلال وجهة نظر إسرائيلية خالصة، مما كان له التأثير الكبير داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية، والمتشددين، الذين حاربوا المنظمة إعلامياً، حتى أنهم وجهوا هجوماً عنيفاً لكتاب يستعرض هذه الشهادات قبل صدوره بعدة أشهر، بمجرد إعلان المنظمة عن فكرته!

وقد صدر الكتاب هذا الأسبوع حاملاً اسم المنظمة، وعنوان آخر هو "احتلال الأراضي"
ليتضمن شهادات أكثر من مائة من الجنود السابقين في الجيش الإسرائيلي، متناول تجربتهم داخل الأراضي الفسطينية، وما كانوا يقومون به من أعمال طالما ادعت الحكومة والعسكرية الإسرائيلية أنها فقط أعمالاً وقائية، ولكنها في حقيقتها عمليات عسكرية هجومية منظمة، وهو ما يتنافى والموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية الذي يؤكد أن وجود الجيش في هذه المناطق يُعد عملاً وقائياً ليس أكثر. كما يشير الكتاب، إلى أن الجيش الإسرائيلي يتبع سياسة أخرى تقوم على "الفصل"، أي عزل الفلسطينيين ليس فقط عن الإسرائيليين، بل أيضاً عن بقية الفلسطينيين في المناطق الأخرى سواء في الضفة الغربية أو في غزة. ومن المفارقات الغريبة أن الجيش يخدم مصالح المستوطنين على حساب السكان الفلسطينيين، فقد اعتاد المستوطنون مهاجمة الفلسطينيين، دون أي تدخل أو ملاحقة من قِبل الجيش، كما يتلقى بعض الجنود الأموامر من المستوطنين بشأن كيفية التعامل مع الفلسطينيين!

الإحساس الدائم بالمطاردة
من خلال شهادات الجنود وما يقومون به بالفعل داخل الأراضي الفلسطينية، يتضح أن الحكومة الإسرائيلية تريد أن يشعر الفلسطينيون أنهم دوماً مراقبون وتحت السيطرة الإسرائيلية، من خلال مظاهر عدة يقوم بها الجيش .. كتفتيش المنازل في أي وقت ولأسباب واهية، والتجول الليلي في الشوارع وتفجير الغاز المسيّل للدموع والقنابل الضوئية، وخلق جلبة وصخب شديدين. وذلك بهدف إشعار الفلسطينين بأن الجيش موجود في كل وقت وكل مكان، ولا يمكن مهاجمته، وهو ما يسمى في لغة الجيش الإسرائيلي "توليد الإحساس بالمطاردة" كما يقول
إيهودا شاؤول، أحد مؤسسي منظمة "كسر الصمت"، البالغ من العمر 27 عاماً، والذي خدم في صفوف الجيش لمدة ثلاثة أعوام بين 2001 و 2004.

أطلقوا النار دون أسئلة
يستطرد شاؤول الذي أنشأ ورفاقه منظمة "كسر الصمت" بعد الخروج من الخدمة
أنه خلال خدمته العسكرية في الخليل، حيث يعيش 600 مستوطن يهودي متطرف بين حوالي 220 ألف فلسطيني، كان يتفنن هو ورفاقه الجنود في كيفية إذلال الفلسطينيين، من تفتيش سياراتهم وإيقاع الضرر بممتلكاتهم وتدنيس أمواتهم وتحويل حياتهم إلى جحيم. وطالما تمنى شاؤول محاكمته،
إذ أنه ارتكب خلال خدمته العسكرية أعمالاً عديدة يستحق بسببها قضاء عشرات السنين في السجن. وأوضح  سبب عدم محاكمته قائلاً إن محاكمته كانت ستورط رؤساءه أيضاً، مضيفاً أنه كان يتمنى لو حدث ذلك، لأن لو تمَّ ذلك لكان حقَّق الحدث السياسي الأهم في حياته، أي لتحمَّل مسؤولية ما فعله، وأضاف أن مجمل نظام الظلم الممارس في الضفة الغربية كان سيحاكم معه أيضاً.
 
ففي أعقاب أحداث غزة يستحضر الكتاب شهادة أحد الجنود الذي قال "كانت الأوامر تتلخَّص بعدم الالتزام هذه المرة بالتي كنا نتلقاها سابقا وتدعو إلى تفادي التعرض للمدنيين ... قيل لنا إن واجهتم مشكلة ما أطلقوا النار دون طرح أسئلة"

الضحك يعلو صوت القنابل
وتستمر الشهادات المفزعة فيقول أحد أفراد لواء "جفعاتي" إنه سمع مجموعة من الجنود يتحدثون على العشاء قائلين إنهم طرقوا باب أحد المنازل، ولم يسمعوا أي جواب، فقاموا بوضع قنبلة تستخدم في العادة لدك الأبواب وتسهيل دخولهم، ولكن في لحظة تفجير القنبلة فتحت سيدة الباب مما تسبب في تعرضها للانفجار وتطاير أشلائها على الحائط. وأضاف أحد الجنود أن أطفالاً خرجوا بعد الانفجار ليشاهدوا أشلاء والدتهم، إلا أن أحد الجنود أدلى بتعليق هو أن ذلك الحدث كان أمرًا مضحكًا وأعقب هذا التعليق بضحكة عالية!

كما أشار أحد الجنود إلى حادثة إرسال شاحنة عسكرية في قرية طوباس عام 2003 وإلقاء قنابل الصوت في الشارع لإيقاظ الناس فقط للتأكيد بأن جيش الاحتلال متواجد في المنطقة، وواقعة إطلاق النار على رجل أعزل في نابلس عام 2002 ، ويستطرد الجندي قائلاً إنه في نابلس عام 2002 أمر قائد السرية بإطلاق النار على رجل أعزل، مع علمه أنه لا يشكل أي خطر، إضافة إلى ربط رجل فلسطيني أمام مركبة عسكرية كدرع بشري خلال التجول في الشوارع تفاديا للرشق بالحجارة.

الجيش الإسرائيلي يحترم القانون الدولي
تعليقاً على ما تقوم به منظمة كسر الصمت انتقدت الخارجية الإسرائيلية في تصريح لها ما يقوم به إيهودا شاؤول ورفاقه، واللجوء إلى وسائل الإعلام الخارجية، وترى أنه كان عليه أن يقدم ذلك أمام سلطات الجيش الإسرائيلي للتحقيق فيها، واعتبرت أن هذه ليست هي المرة الأولى التي توجه فيها تلك الاتهامات إلى الجيش الإسرائيلي، وهناك عدة حالات عوقب فيها جنود خرقوا القانون. فالجيش الإسرائيلي يحترم القانون الدولي، وأنه يعمل أحيانا في مناطق صعبة كالخليل بين متطرفين من الجانبين الفلسطيني واليهودي. وما يتم نشره من مقابلات وتصريحات لا يعكس بأي شكل من الأشكال اليم التي يتم تعليمها للجنود والقادة في صفوف الجيش.

بينما يُعلق شاؤول قائلاً ... "إن معركتنا هي دفع الناس لمعرفة أن هذه الأمور تحدث على نطاق واسع جداً وشائع في جميع الوحدات التي تخدم في الأراضي الفلسطينية، ونعتقد أن مجتمعنا يحتاج لمعرفة الحقيقة ومن واجبنا الأخلاقي كجنود كانوا هناك إعلام العالم بما فعلناه".

الأحد، ديسمبر 19، 2010

الجمعة، ديسمبر 17، 2010

فيلم النهاردة 30 نوفمبر


                                                                     (1)

                       http://www.youtube.com/watch?v=6XBMUXwC3lU

Chaque année, le même jour, un homme qui se moque des conventions sociales, sort de chez lui dans le but de mettre fin à ses jours, mais les gens lui font toujours obstacle. Cette année, il se retrouve à donner à d'autres une chance de vivre


 
                                                                     (2)
                          http://www.youtube.com/watch?v=T725QkQHp54

فيلم روائي قصير ... تأليف: محمد عبد الرحيم/إسلام عبد الرحيم
تمثيل: باسم سمرة/سلمى المصري
إخراج: محمود سليمان
إنتاج: المركز القومي للسينما 2005
حصل الفيلم على العديد من الجوائز المحلية والدولية، أهمها جائزة "جيرهارد ليمان" عن السيناريو،
في مهرجان لوكارنو الـ 58.

"مصحف أحمر" أزمة جديدة للثقافة العربية



ربما أصبحت موضة منع الكتب ومصادرتها في الوقت الراهن من تجليات المد السلفي والخطاب الأصولي المتشدد، والمتذرع بحجج واهية، جعلت هذا الخطاب يمارس رقابته على عقول مرتجفة، تخشى مناصبها، وغضب العامة الذين يتفنن الأصوليون في اللعب بعقولهم ومصيرهم، بل وبمصائر دولهم وأجهزتها التي أصبحت كفزّاعات الحقول لا يأبه لها أحد.


مأساة المصحف الأحمر

"مصحف أحمر" رواية من تأليف الكاتب اليمني "محمد الغربي عمران" المولود عام 1958 باليمن. ومنذ صدورها أثارت العديد من المشكلات، وجسدت الوضع المتردي للثقافة العربية من خلال قوانين المصادرة والمنع، كان آخرها قرار إدارة معرض صنعاء الدولي للكتاب والذي افتتح في 25 سبتمبر الفائت بمنع عرض رواية "مصحف أحمر" الصادرة عن دار "رياض الريس" ضمن كتب المعرض، ولم تعرف أسباب المنع، وفي المقابل أعلن عدد من الأدباء والكتاب في اليمن مقاطعتهم للمعرض في دورته الـ 27 لعدة أسباب من أهمها منعه لأعمال روائية وإبداعية و كثافة عرض الكتب ذات التوجه التكفيري. وقد قامت "وزارة الثقافة اليمنية" باحتجاز الرواية لأكثر من ثلاثة أشهر ومنعت توزيعها داخل اليمن مما رفع الأمر إلى القضاء للفصل بين المؤلف والوزارة، مما ترتب عليه حينها إعلان الكتاب اليمنيون في بيان صادر عن نادي القصة اليمني مقاطعتهم لكل الأنشطة التي تقيمها وزارة الثقافة اليمنية، وطالبوا بالإفراج عن الرواية والسماح بتداولها. كما صدر منتصف شهر إبريل الفائت قرار جمهوري بتعيين الغربي عمران - مؤلف الرواية ورئيس نادي القصة ــ مستشاراً بأمانة العاصمة صنعاء، بدلاً من منصبه السابق كوكيل للعاصمة، الأمر الذي اعتبره عمران إقصاء له من عمله ومنصبه، وهو قرار سياسي في المقام الأول كعقاب للمؤلف، الذي يعد من أبرز أعضاء الحزب الحاكم في اليمن، وهو إلى ذلك عضو سابق في البرلمان اليمني، وقد راهن الكثير في الوسط الثقافي أن الرجل يعد أبرز الوجوه المرشحة لتولي منصب وزير ثقافة مستقبلا!
فالرواية إذاً أثارت أصحاب العقول الراكدة والتاريخ الرسمي، وحينما حاول المؤلف أن يخرج على الحدود المرسومة ــ رغم كونه من مفردات السلطة السياسية ــ كانت السلطة له بالمرصاد.

التاريخ الحقيقي

يحاول المؤلف خلال أحداث الرواية أن يكتب تاريخاً جديداً لليمن، من خلال مزج الخاص بالعام، وان تكون الشخصيات وتوجهاتها ومصائرها هي نفسها الانعكاس الواقعي لما حدث في التاريخ، وهذا ما يخالف التاريخ الرسمي، الذي تنتهجه الدول، وتبثه تلاميذها وطلابها، بل وحتى باحثيها، ليصبح العمل الروائي هو المنطقة المتوترة مابين الواقعي والمُتخيّل لسرد واقع أشد قسوة ومصداقية.
ومن خلال هذا التمازج بين الفردي والجماعي يتم التعبير عن مرحلة إجهاض المشروع التقدمي لليمن الجنوبيّ، وتتفرّع إلى السير الذاتيّة للمقاومين، والتي لا تنفصل عن السيرة الجماعيّة للوطن، عبر شخصيّتي (تبعة) وزوجته (سمبريّة) اللّذين عاشا منفصلين بسبب تعسف السلطة السياسيّة، الذي يوازي تماماً تعسف النظام الاجتماعيّ/الثقافيّ في البيئة والبنية العقلية اليمنية والعربية عموماً.
تعالج الرواية أهم مراحل تاريخ اليمن الحديث، ومن أشدها تأثيرا في توجيه وتشكيل النظام السياسي في اليمن، حيث يستعرض مؤلفها أهم الأحداث والصراعات على مدى ثلاثة عقود ابتداء من عام 1977 حين احتدم الصراع بين القوى اليسارية واليمينية لتنتج عن حروب متقطعة بين اليمنيين. كانت البدايات الأولى لهذا الحدث قد نمت حينما قوي المد الماركسي في جنوب اليمن، وتشكل نظام في عدن ذو إيديولوجية ماركسية صارمة، كان من نتائجه ظهور حركة مسلحة عرفت بعد ذلك باسم "الجبهة الوطنية" مدعومة من نظام الحكم في عدن، تهدف إلى تحقيق شعارها الذي رفعته: "النضال حتى تحقيق الوحدة اليمنية.. لا لعمالة نظام صنعاء لأنظمة عربية رجعية كأداة لتنفيذ سياسة الغرب الاستعمارية في المنطقة.. العدالة والمساواة والحرية أساس كل نضال ". وقد قويت شوكة هذه الحركة في أواخر السبعينات حتى أوشكت خلال سنوات قليلة على اكتساح صنعاء وإسقاط نظام الحكم فيها.
ولعل مما يميز الرواية أنها تعد أول عمل أدبي يتجرأ على تدوين بعض من تاريخ تلك المرحلة الشائكة، بل تكاد أن تنفرد بطرح رؤية مغايرة للرؤية السائدة في المجتمع من النظر إلى ما كان يسمى بالجبهة الوطنية على أنها حركة تخريبية خلفت كثيرا من المآسي بين الناس.

الحكاية

يتم سرد الحكاية من خلال معاناة أسرة سكنت "حصن عَرْفطَة" شمال اليمن، حيث عانت من تسلط أحد المشايخ – بمفهومه القبلي- الذي كان مدعوما من النظام، وقد تسبب ذلك في هروب "تُبَّعَة" -أحد الأبطال الرئيسيين في الرواية- من الحصن، ليرافق "مولانا" –أحد العملاء السريين للجبهة الوطنية في الشمال- ثم انضمامه إلى الجبهة الوطنية والقتال في صفوفها، وقد شاركه في هذا النضال صديقته "سمبرية" التي عقد قرانه عليها لاحقاً وفق طريقة خاصة بهما، ثم إنجابهما لطفلهما الوحيد "حنظلة" الذي سافر في عام 2000 ليدرس الطب في العراق، ثم تنقطع أخباره عن أمه طوال سنوات إقامته في العراق ليعود بعدها وقد أصبح إرهابيا. أما "العطوي" - والد "تبعة" - فقد استمر في مواجهة المعاناة بسبب معارضته لتسلط الشيخ عليهم في "حصن عرفطة"، ثم نقله إلى صنعاء ليقيم في معتقل سري بصفة مستمرة بعد أن أضيفت له تهمة الزندقة والخروج عن الإسلام بسبب اعتناقه وإيمانه بعدد من الديانات المختلفة، وهي التي وردت تعاليمها في مصحفه الأحمر، إضافة إلى تبنيه الفكر الشيوعي، وقد رصدت الرواية من خلال سير أحدثها حالة الصدام بين الجبهة المدعومة من نظام عدن، في مقابل نظام صنعاء المتحالف مع السلطة الدينية - المتمثلة بالتيار السلفي – وكذلك مع النظام القبلي -المتمثل بالمشايخ. وهذا المصحف الأحمر - كما أسمته الرواية وكما وردت توصيفاته فيها - مختلف عن المصحف المعروف لدى المسلمين، فهو يضم بين دفتيه أجزاء من كتب مقدسة لديانات مختلفة، فهناك أجزاء من القرآن الكريم، وأجزاء من التوراة، وأجزاء من الإنجيل، إضافة إلى تعاليم لديانات أخرى: كالبوذية، والزرادشتية ، والصابئة....، وهذه كلها تضمها دفتا "المصحف الأحمر" فهذا المصحف الذي جعل منه "العطوي" رفيقه الدائم ومنهجه، هو كتاب لدين مختلف يتبناه "العطوي"، وهذا الدين يقوم على المزج بين كل الديانات باعتبارها تؤدي في نهاية الأمر إلى طريق واحد، وهي الدعوة القديمة التي اتضحت صورتها عند محيي الدين ابن عربي.
ويُلاحظ أن الصراع السياسي الداخلي الذي تعالجه أحداث الرواية ، قد جاء على ذكر جزئية مهمة رصدها المؤلف ، وهي تنامي قوى التيار الديني السلفي وزجه ضمن اللعبة السياسية لكي لا يتنامى مد الاشتراكية أو يهدد عمق الجزيرة العربية التي أستنفر نظامها الحاكم كل امكانياته الديبلوماسية بكل أشكال الدعم لضمان استقرار المنطقة ، فكانت لغة الحرب التي تلد حرباً أخرى لتؤكد أن النظام السياسي العربي ليس بالضرورة يقاتل في سبيل الشعارات التي يرفعها أو يتاجر بها ضمن محيطه الاقليمي، إنما يعمل على خدمة أجندة القوى الكبرى التي تتحكم في استقلالية قراره السياسي والاقتصادي في فترة حرجة من فترات الحرب الباردة مابين المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

القصور الفكري وسياسة المُصادرة

أبدى الغربي عمران مؤلف الرواية في حوار معه بجريدة العرب أون لاين بعض ملاحظاته على ما سببته روايته من مصادرة ومنع، وشبه إقالته من عمله. فبدأ بالعنوان الذي أثار حرّاس القيم قائلاً
"لقد جزموا جهلاً أن عنوان الرواية (مصحف ..) أنه يعني القرآن الكريم، بينما لفظة "مصحف" هي ليست من عربية قريشية في أصلها. فقد وجدت هذه اللفظة من قبل أن يوجد القرآن.. فهي أقدم منه.. وقد استعيرت من اللغة اليمنية القديمة " السبأية والحميرية" والتي تستخدم حروفها اليوم في شرق السودان وإثيوبيا واريتريا.. وفي بعض الجزر والمناطق في جنوب شبه جزيرة العرب. وهي تعني "كتاب" وقد أستعارها العرب كمفردة جديدة.
أما بالنسبة لمشكلة التاريخ فيقول المؤلف " التاريخ الحقيقي ليس ما نقرأه كتاريخ ويدرس في المدارس والجامعات، فمعظم ذلك يكتبه المنتصرون، والبقية مجرد أحداث ومعارك حربية وسياسية. فأين الحقيقة وأين حياة المجتمع من ذلك؟! الروائي هو من يقترب من قاع المجتمع، مَن يؤرخ للجموع من عامة الشعب. ومصحف أحمر اقتربت من ذلك الحلم، حين لامست جراح وحرائق الأمس في اليمن.. الحرب الأهلية/الصراع بين القبائل وبين التيارات الدينية والشيوعية على السلطة في اليمن/الوحدة حين تصير كلاماً براقاً لا يلامس آمال وتطلعات الشعب/الوحدة حين تكون على ورق، بينما الإنسان مُقسّم وجدانياً.

الخميس، ديسمبر 16، 2010

يوسا ... فشل سياسي/انقلابات إيديولوجية/نوبل!



لم يكن اسم ماريو يوسا الروائي البيروفي الشهير مُستبعدا من قائمة جائزة نوبل منذ وقت طويل، فلعدة سنوات كان اسمه يتصدر قائمة الترشيحات والتخمينات التي لا تهدأ. ورغم فشل يوسا على المستوى السياسي، وخسارته في الانتخابات الرئاسية لبلاده عام 1990، إلا أنه يعتبر من أشهر كتاب أميركا اللاتينية، ومعظم رواياته تعالج مشاكل السلطة القمعية التي يعاني منها الفرد وسط التاريخ الطويل المضطرب لأميركا اللاتينية بوجه عام، وربما انتقل إليه هذا الاضطراب منذ فترة، فقد صدم الجميع بتغيير أفكاره السياسية التي تناقضت مع مواقفه وآرائه السابقة بشكل حاد، لتنطبق عليه المقولة التي جاءت في نص منحه جائزة نوبل، التي رأت أن أعماله "برعت في الرسم المفصل للصراعات على السلطة وتصوير المقاومة والثورة والهزيمة داخل الفرد"!
 

اكتشاف السلطة
رغم انتماء يوسا لعائلة أرستقراطية الطابع، إلا أنه عاش طفولة قلقة، ولد في 28 مارس عام 1936 في مدينة أريكويبا في بيرو، ونشأ مع والدته وجده في مدينة كوشاباما في بوليفيا، وقتها كانت والدته تخبره بوفاة أبيه نظراً لخلافها مع هذا الأب، الذي عاد مرّة أخرى وظهر في حياة أسرته، ليكتشف يوسا أن أباه لم يزل على قيد الحياة، لكن الأب العائد أخذ يحمل أسرته سبب فشله ويمارس عليها ومن بينهم الطفل يوسا أقسى مظاهر القسوة، ثم عاد بأسرته إلى وطنه عام 1946. رفض هذا الأب أن يتفرغ الابن للأدب ودراسته، وألحقه بدراسة العسكرية، لكن يوسا تمرد على أبيه ومارس الأدب والصحافة، وانتقل إلى فرنسا عام 1959 حيث عمل مدرساً للغة وصحافياً بوكالة فرانس برس، والتلفزيون الفرنسي قبل أن يصبح معروفاً بمؤلفاته. وعن تجربته العسكرية يكتب يوسا روايته الأولى «المدينة والكلاب» 1963، وكانت نقداً قاسياً للمؤسسات العسكرية الغارقة في الفساد.

تيار الانفجار
مع بدايات يوسا النشر في الستينات انضم مع رفاقه إلى تيار «الانفجار» وهو ما كان يمثل الطفرة الأدبية في أميركا اللاتينية، والتي تمثلت في كتابات أوكتافيو باث/ كورتازار/ كارلوس فوينتيس/ وغابريل غارسيا ماركيز بالطبع، وكان اهتمام هذا التيار ينصب على الخروج من تقليدية الكتابات القديمة، وتطوير شكل جديد من الرواية الحديثة، وقد تأثر أتباعه بروايات الحداثة الأوروبية كما عند جويس وكافكا وفوكنر. ومن خلال ندوة واشنطن التي أدارها وليامز قال يوسا: «أردت أن أكون حداثياً، أردت أن أميز نفسي عن كتاب أمريكا اللاتينية السابقين، كنت وبقية الكتاب في حرب حول طبيعة السرد في رواية أميركا اللاتينية، وهو سرد كان تقليدياً يكتبه كُتاب لا يلتفتون للمشاكل المهمة..أردت أن أكون مختلفاً».

فضح السلطات القمعية
استمر يوسا في منهجه في فضح أساليب وأشكال السلطة، سواء العسكرية أو الدينية، فجاءت روايته «زمن البطل» 1966، لتفتح أمامه آفاق العالمية بعد ترجمتها إلى الإنجليزية، وكشف فيها كيفية تجنيد بعض الضباط للعمل في المؤسسات الاستعمارية السرية للقيام بانقلابات عسكرية لمصلحة القوى العظمى، وكيف أن الرؤساء هم أول من يخونون البلد كلما استشرى الفساد الإداري في المرافق الحكومية. ثم جاءت رواية «حديث في الكاتدرائية» 1975 والتي فضح فيها بعض رجال الدين عندما تكون مصالحهم فوق مصلحة من يتحدثون باسمهم. ثم جاءت «حفلة التيس» 2000 لتشرّح شخصية السلطوي وممارساته البشعة وتكوينه النفسي المريض، ومعاناة شعبه الذي سمح بوجوده. وإمعاناً في فضح السلطة بأشكالها كافة يستوحى يوسا روايته الجديدة «حلم السلتي» من سيرة المناضل والدبلوماسي الأيرلندي القومي «روجر كيسمنت» الذي اعترض على انتهاكات حقوق الإنسان في الكونغو مطلع القرن العشرين، وحكم عليه الإنجليز بالإعدام شنقاً بعدما أدين بالخيانة.
وكيسمنت الذي دافع عن حقوق هنود الأمازون، اشتهر في 1904 عندما نشر تقريراً يتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في الكونغو في عهد الملك البلجيكي ليوبولد الثاني.

                                        
                                            مسؤولية اجتماعية
يرى يوسا أن الأدب في أميركا اللاتينية مسؤولية وثورة أولاً..وأن الروايات والمسرحيات والقصائد مرايا يرى فيها أبناء الشعب وجوههم وآلامهم. ومن هنا فإن وظيفة الكاتب في أميركا اللاتينية محددة بشكل كامل، فكون الإنسان كاتباً في أميركا اللاتينية يعني أنه يتحمل مسؤولية تكاد تكون اجتماعية حصراً، في حين أن مسؤولية الكاتب الوحيد في البلدان المتقدمة ما هي إلا مسؤولية شخصية فنية، ومسؤولية عمل أدبي يغني الثقافة والحضارة.

الليبرالية كما يراها يوسا
أثارت مواقف يوسا العديد من الآراء المتضاربة، فتحوله من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن مُناصر لكاسترو إلى ناقد قاس لسياساته، ليعلن في وقت لاحق قطيعته مع الأحزاب والمنظمات اليسارية «المتطرفة»، وعندما سأله ريموند وليامز عن هذا التحول في ندوة عقدت بواشنطن عام 1986 أجاب بأنه كان مغموراً بالحماس الذي أثارته الثورة الكوبية، ولم يكن يتخيل بعد عشرين عاماً أن يتحول هذا إلى عربة للإرهاب المتمثل في حركة «الطريق المضيء» الماوية، وبناء عليه «إن كنتَ ما زلت تؤمن بالعنف كحل فإنك تقبل بالإرهاب الأعمى». ومن هذا المنطلق الفكري شارك عام 1988 في تأسيس حركة قامت على تحالف أحزاب يمينية، وسميت بـ «حركة الحريات»، كما هاجم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وسط كراكاس، آخذاً عليه أنه وضع بلاده علي طريق «ديكتاتورية شيوعية». ومن مُعبّر عن هموم فقراء أميركا اللاتينية ومقاوم للديكتاتوريات والطغاة، إلى مُصلح يرتدي منظاراً غربياً ومناصراً للحرب الأخيرة على العراق بعد أن زارها موثقاً يومياته، ثم عاد وتراجع عن دعمه للأميركيين.

نحو اليمين الرأسمالي

إلا أن يوسا نفسه يجيب على هذا التناقض بقوله .. «إذا كنت ليبرالياً، فيعني أنني أؤمن بالحرية السياسية. الليبرالية مذهب مطواع سَلِس ويمثل بالنسبة إليّ أولاً التسامح (الاعتراف باحتمال الخطأ فيما تدافع عنه) وفكرة التواجد المشترك في الحرية، يعني المبدأ الأساس للديموقراطية. وخصوصاً الدفاع ضد العنف. كل دوغماتية هي مصدر عنف». وفي مناسبة أخرى يجيب عن سبب هذا التحول إلى اليمين الرأسمالي، بأن الرأسمالية تتيح فرصة أكبر للنمو، مؤكدا أنه يعتنق الرأسمالية بالمفهوم الغربي قبل أن تتوحش. كما يرى نفسه يقف مع السلام بدليل إدانته لما وصفهم بـ»المتطرفين» من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وأمله في الوصول إلى السلام المنشود. أما اللاتينيون فيرون أنه منذ خسارته الانتخابات الرئاسية في بيرو، أصبح ينظر إلى شعوب منطقته بشيء من الاستعلاء، إذ انتقل إلى مدريد، بعد الخيبة السياسية وعاش هناك وحصل على الجنسية الإسبانية عام 1993.

زمن التعصب والإرهاب
«حقبتنا هي حقبة المتعصبين والإرهابيين الانتحاريين، وهي فئة رجعية مقتنعة بأنها تبلغ الجنة من خلال القتل.. يجب قطع الطريق أمامهم ومواجهتهم وهزمهم» هذه الكلمات قالها يوسا أمام لجنة جائزة نوبل متوجها برسالة تصف هذه الحقبة التي يحياها العالم، محذرا من كارثة نووية قد تتسبب فيها ــ على حد قوله ــ « مجموعة من المجانين». دون أن ينسى انتقاد الأنظمة الدكتاتورية التي «يجب محاربتها بقسوة وبكل الوسائل المتوافرة، بما فيها العقوبات الاقتصادية».!!

تشومسكي ... أوباما ليس إلا عملية تجميل للنظام الأميركي

Noam Chomsky

لم يزل المفكر والفيلسوف وعالم اللغويات الأميركي نعوم تشومسكي يستعرض السياسة العنصرية الأميركية، ولم يزل رغم كونه يهودياً يعارض الفكر الصهيوني الاستيطاني، وما يحمله من إبادة للشعب الفلسطيني، لم يزل مصراً على مواقفه التي سببت له العديد من المشكلات والصعوبات، رغم كونه يهودياً أميركياً، ولكنه في سبيل الإيمان بمبادئ ربما يتناساها الجميع، يحاول الرجل من خلال كتبه ومقالاته ومحاوراته أن يوضح الأمر، ويفضح السياسة الأميركية والصهيونية، من خلال موضوعية البحث عن حلول، وإن كانت طويلة الأجل. ومن خلال برنامج "حوار مفتوح" بقناة الجزيرة، حاول تشومسكي أن يوضح الصورة بعض الشيء، حتى لا يتم التعلق بحلول وهمية، أوضحها الرجل مسبقاً في كتابه "أوهام الشرق الأوسط".

حقوق الإنسان الأميركية

يشير تشومسكي إلى مصطلح "حقوق الإنسان" في السياسة الأميركية بأنه يحمل معنى وحيد لا يفارقه في العقلية السياسية الأميركية، وأنه يعني حسب قول تشومسكي "
إنه التزام أسطوري كاذب، وأن هذه الحقوق تتحدد على أساس الإسهامات في حفظ النظام. فللحكومات العربية حقوق لأنها تسيطر على الشعوب وتضمن تدفق الثروة إلى الغرب، ولبريطانيا حقوق مادامت تلعب دور الكلب التابع للولايات المتحدة" فالولايات المتحدة لا تعبر عن معايير مزدوجة كما هو شائع، ولكنها تمتلك معيار وحيد هو معيار المصالح. وأي إخلال بهذه المصالح ستكون قائمة التهم الأميركية جاهزة لكل دولة أو نظام يعمل خارج فلك مصالحها.
ويؤكد تشومسكي أن جمال عبدالناصر كان العدو الأكبر للولايات المتحدة الأميركية حيث كان يُعرف هناك بالوطني المتطرف، مما ترتب عليه قيام السياسة والخطط الأميركية للتصدي لأشخاص مثل عبد الناصر، وفي سبيل ذلك قاموا بتقديم الدعم لإسرائيل، كذلك قامت الولايات المتحدة بمنح الحماية للسعودية لأنها رأت فيها دولة استراتيجية في المنطقة وهو ما نراه مستمراً حتى اليوم، كما روجوا للعرب أن إيران هي العدو، وسعوا لمنع أي دولة من أن تسلك طريق الاستقلال الوطني.

النفط
يفسر تشومسكي ما جاء بكتابه "أوهام الشرق الأوسط" بأن القلق الأساسي بالنسبة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط مصدره وجود النفط في هذه المنطقة والذي حاز على اهتمام أميركا بمجرد اكتشافه، حيث اكتشف وزارة الخارجية الأمريكية أن منطقة الشرق الأوسط منطقة استراتيجية في العالم، وبالتالي فإن السيطرة على النفط في الشرق الأوسط سيسفر عن السيطرة على العالم كله، وبالتالي ركزت الولايات المتحدة على السعودية كمنطقة استراتيجية وأيضاً كنقطة انطلاق لتوسيع النفوذ الأميركي في تلك المنطقة.

أوباما عملية تجميل سياسية
يرى تشومسكي أن أوباما رغم كونه يتمتع بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة، ومُطالب بتغيير التوجه الأمريكي بشكل عام، فهو ما جاء إلا لتجميل وجه أميركا بعد سياسة بوش الابن الاستفزازية. ولكن سياسة أوباما لا تختلف عن سياسة بوش خاصة فيما يتعلق بمسألة الحرب على الإرهاب، مؤكداً أن هناك عدائية الآن في العالم لأمريكا، حيث تدهورت سمعتها في عهد بوش والسبب في ذلك أن إدارة هذا الأخير وضعت قدمها في وجه جميع العالم، متجاهلة اعتراضات الأمم المتحدة، أو اعتراضات أياً كان. إلا أن أوباما يتوجه إلى الجميع بالكلام من أجل إنقاذ سمعة أمريكا وليس بالفعل، فليس هناك تغيير سياسي حقيقي.
فسياسة الدولة الأميركية لا تعبر عن الرأي العام الأمريكي كما هو شائع، كما أنها أيضاً لا تخضع كما يحبون أن يُشيعوا عنها تسير وفق هوى اللوبي الصهيوني على وجه الخصوص، فمن يحرك السياسة الخارجية الأمريكية ليسوا هم اللوبيات السياسية ومنها اللوبي الصهيوني،
بل هم رجال الأعمال فقط، وهؤلاء أصدقاء لإسرائيل فإذا تغيرت نظريات المصالح لدى رجال الأعمال فإن التغيير في سياسة واشنطن في الشرق الأوسط ستكون ملحوظة.


يهودي ضد الصهيونية

جاءت مداخلات الحضور بسؤال تشومسكي بكيفية يرى نفسه يهودياً، مؤمناً بأرض الميعاد وفي الوقت نفسه يدافع عن حقوق وقضية الشعب الفلسطيني؟
يرى تشومسكي أنه نشأ في عائلة يهودية وأنه منسجم مع الثقافة اليهودية، وهذا لا علاقة له وربما يتنافى مع ما تروّج له الحركة الصهيونية، مشيراً إلى أنه بالنظر إلى الوقائع والحقائق ربما كان اليهود الأساسيين هم الفلسطينيون وأنهم اضطروا لمغادرة الأرض لأن بعض القوى جاءت وطردتهم، وبالتالي هذا ما حدث طوال التاريخ والفلسطينيون الذين كانوا هناك هم السكان الأصليين.


البحث عن حل واقعي

يرى تشومسكي أن البحث عن حل للقضية الفلسطينية لابد وأن يبدأ من أرض الواقع، فإذا أراد الفلسطينيون تحقيق الأهداف على المدى البعيد فعليهم اتخاذ خطوات على مراحل، والنظر فيما يمكن تحقيقه خلال كل مرحلة فهكذا حققت الحركة الصهيونية أهدافها.
وعن الحل المتمثل في إقامة دولتين قال تشومسكي إنه لا يعتقد أنه حل جيد وأنه عارض هذه الفكرة خلال الأربعينات وكان معارضاً للدولة اليهودية، ولكن الأمور تغيرت خلال الأعوام التالية وأنه إذا أردنا أن نحقق الهدف النهائي فعلينا أن نغير الطرق والسبل لتحقيق الهدف، ويقترح تشومسكي أن هناك سبيلا واحدا فقط للأسف في الوضع الحالي وهو أن نقبل بتسوية دولتين ولكن المشكلة ليست في عدم قبول الفلسطينيين، ولكن أميركا وإسرائيل ترفضان مثل هذا الحل.


الشعور الأميركي بالذنب!
وبسؤاله عن
وجود شعور بالذنب داخل المؤسسة الأميركية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديداً؟
أجاب تشومسكي أنه ليس لدى أميركا شعور بالذنب تقريباً تجاه الفلسطينيين ولا حتى تجاه التاريخ، متسائلاً هل كان هناك شعور بالذنب تجاه الأفارقة أو السكان الأصليين لأميركا؟ والإجابة هي لا، فهناك مثقفين أميركيين يكتبون ولا يلتفتون لمثل هذه الأمور وهي الشعور بالذنب، فتحريف الحقائق والتاريخ ساهم بعدم الشعور بالذنب  في أميركا.
ويضرب المثل بالحرب الأميركية ضد فيتنام وكيف دمرت هذه الحرب أربعة دول، وأن الرئيس الأميركي كارتر  قال إن أميركا لا تدين لفيتنام بأي شيء لأن الدمار كان دمارا متبادلا وفقاً له، وقال كارتر إن هناك قضية معنوية وأخلاقية واحدة هي قضية كيف تم إسقاط الطائرات الحربية الأميركية من قِبل الفيتناميين بطريقة وحشية!

American Faust



تناولت السينما في العديد من الأفلام طبيعة السياسة الأميركية، والعدوانية الأميركية وانتهاكاتها للحريات، والتي توّجت في النهاية بغزو العراق. ولكن السينما التسجيلية يبقى لها سماتها الفنية الخاصة في كونها سرداً توثيقياً يمثل وجهة نظر صاحبه، وأفلام مايكل مور خير دليل على ذلك، في كشف كُنه ذرائع سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومدى تشابك هذه السياسة وتوافقها مع مصالح بعض الأنظمة العربية، التي تدين ببقائها للولايات المتحدة.
فيلم "فاوست الأميركي .. من كوندي إلى كوندي الجديدة" وهو يستعرض مسيرة كونداليزا رايس، ويحملها مسئولية ضحايا السياسة الأميركية في عهد بوش الابن، والفيلم من إنتاج عام 2010، ومن
تأليف وإخراج سيباستيان دوجارت.


إنها ليست واحدة منا
جاءت هذه العبارة على لسان زنوج نيو أورليانز بعد إعصار كاترينا، فبينما هم يعانون من هذه الكارثة، كانت كونداليزا رايس أو "كوندي" ـ كما تحب أن يُطلق عليهاـ تتسوق من أفخر المتاجر الأميركية. هذا السلوك هو ما يفسر شخصية هذه المرأة، التي وصلت إلى منصب جعلها تحرك السياسة العالمية كيفما تشاء، في ظل رئيس دولة لا يفقه شيئاً في السياسة. وقد تخطت عقبتين ليسا بالهينين حتى تصل إلى هذا المنصب، أولاً بكونها امرأة، وثانياً لأنها سوداء. وقد سرد الفيلم سلوكها للتغلب على ذلك في سبيل الوصول إلى السلطة بأية طريقة، وهي التي ولدت لقس في
أكثر المدن الأميركية التي عانت في الخمسينات من التمييز العنصري بين البيض والسود.
بدأت كوندي حياتها العملية طالبة للعلوم السياسية على يد البروفيسور
التشيكي المهاجر "
كوربيل"، والذي كانت مدرسته السياسية تتلخص في أن التاريخ نتاج القوة فقط، وقد أثر الرجل في السياسة الأميركية، وكان من نتائجها حرب فيتنام، والتدخل العسكري الأميركي في أنحاء عديدة من العالم. بعدها تركت كوندي خطيبها للالتحاق بالعمل في البيت الأبيض، والذي يؤكد في الفيلم أنها قد فضلت السلطة على الحب.

ليس مهماً من أين جئت ..
            المهم أن تستطيع أن تحقق ما تريد


وبهذه العبارة التي تعتبر كمبدأ حياتي، تفسر وتبرر كونداليزا رايس سلوكها وسياستها التي انتهجتها منذ البداية، ويستعرض الفيلم هذه السياسة من خلال لقطات أرشيفية في الكثير منه، بالإضافة للشخصيات العامة التي تماست وتداخلت مع حياة كونداليزا سواء بالمشاركة أو بالتعليق على سياساتها التي باركها البعض، بينما وصفها البعض الآخر بالدموية، ومنهم .. بوش الأب والابن/
ديك تشيني/شوارزينيجر/أوبرا وينفري/شين بن/سبايك لي.
تخصصت كوندي في الشأن السوفيتي وقت الحرب الباردة، ثم تلقت
عرضاً بالعمل في إدارة الرئيس جيمي كارتر (من الحزب الديموقراطي). ولكنها أدركت أن دورها مرهون بالحرب الباردة، فتداركت الأمر ووطدت صلاتها بالمحافظين الجدد، ومجموعة صناعة الفكر بمعهد هوفر للجمهوريين، وفي فترة لاحقة التقت رامسفيلد وديك تشيني، ثم جورج بوش الأب، إلا أن فرصتها الحقيقية جاءت حينما انتوى جورج بوش الابن الترشح للرئاسة، والذي اتخذ كونداليزا مستشارته ومعلمته في السياسة الخارجية، التي كان يجهلها تماماً، والذي لا يتورع عن سؤالها في إحدى جلسات الأمم المتحدة إن كان يستطيع الذهاب إلى دورة المياه! 


مكان هذه المرأة هو السجن

من خلال التضاد بين الآراء المناصرة لسياسة كونداليزا، والمادة التسجيلية التي تفضح هذه الآراء يتم الكشف عن فساد سياسة هذه المرأة ورفاقها الذين شاركوها ارتكاب جرائم لا تحصى، بدأت كوندي جرائمها من خلال عضويتها
في مجلس إدارة شركة شيفرون للنفط، التي كانت سبباً في مجازر عنيفة في نيجيريا على يد حكومتها، دون إنكار دور الشركة في دعم السلطة الديكتاتورية لتسهيل استخراج النفط، وتعطيلها كل طلبات المستثمرين في ضرورة أن تضغط الشركة على النظام لوقف قتل المواطنين الذين يسعون للحصول على حقوقهم من نفط بلادهم.
ثم جاءت قرارتها الحاسمة من خلال موقعها كوزيرة للخارجية ومستشارة للأمن القومي، للرد على هجمات 11 سبتمبر بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، هذه الحجة الواهية التي تبددت ليحل محلها فكرة تحقيق الديمقراطية للشعب العراقي بالقضاء على صدام حسين، فتقول "لم نخض هذه الحرب لهذا السبب ولكن لأن صدام طاغية وحان وقت التخلص منه" وتدافع عن التعذيب في جوانتانامو بزعم الحرب على الإرهاب  "هل تريدون أن يسير الإرهابيون في شوارعنا"
ورغم عودة كونداليزا رايس إلى جامعة ستانفورد، إلا أن الحملات لا تتوقف بالمطالبة بمحاكمتها وشركائها كمجرمي حرب. وما كان من تعليق الممثل والمخرج شين بن إلى القول بأن "مكان هذه المرأة هو السجن" لما ارتكبته من جرائم في حق الإنسانية ستظل وصمة بحق الأميركيين إن لم تتم محاكمة هؤلاء، الذين باعوا أرواحهم بالفعل للشيطان، ليصبحوا جميعاً في شكل جديد يسمى "فاوست الأميركي"


السبت، ديسمبر 11، 2010

الاختبار



حضر صديقي القديم،
الذي سأختار له حرفاً مُشفراً لا يدل البتة على اسمه الحقيقي،
سأطلِق عليه س،
وبالتالي يكون قد حضر إليّ صديقي القديم س لدعوتي إلى حفل خِطبته،
فاندهشتُ لأن فكرة الخِطبة هذه لم تكن في حُسبانه على الإطلاق،
وشعرتُ برائحة مؤامرة ما قد دبّرها في سِرّه قبل المجيء إلي.
ذكرَ أنه قبل التفكير في الخِطبة، وتماشياً مع مُنجزات العلم،
قد قرر هو والتي ستكون خطيبته الذهاب لإجراء اختبارات الزواج
في أحد المراكز المُنتشرة هذه الأيام،
تجنباً الوقوع في خطر الأمراض الوراثية أو عامل ريساس.
قال إن التي ستكون خطيبته قد أكمَلت الاختبارات قبله،
وانتظرته في غرفة أو طُرقة ضيقة حتى ينتهي.
وقد طلب منه الطبيب لتحليل وفحص قدرَة الحيوانات المنوية
أن يقوم بالاستمناء، فلا حياء في الطب، وأن ذقون الشيوخ والقساوسة
من الممكن وضع لافتة عليها الهلال وهو يُعانِق الصليب
ستصعد حتى عيونهم، مُخالفة بذلك قانون الجاذبية، فتبيح للصديق س
إجراء هذه العادة المُحرّمة مرّة واحدة فقط.
الآن . . تنتظره التي ستكون خطيبته في طُرقة ضيقة، بينما هو
يستجمِع في صعوبة  تحت وهج المصباح المضيء في شراسة،
حتى يتيح لحيواناته الخروج  كماً من المشاهد التي جمعها
من أعضاء ولفتات جاراته وصديقاته والتي ستكون،
وحتى قريباته المُحرّمات عليه.
وعند نقطة مُعينة أصابته بالهلع والاختناق
خرجَتْ الحيوانات المُباركة في ارتباك أدهشه !
هذه المخلوقات التي طالما خرجتْ فكان مصيرها البالوعة،
وفي بعض الأحيان كانت الملابس الداخلية تمارس الرحمة،
فتحنو عليها وتمتصها
لتبتسم أمه في سِرّها كلما أدارت مفتاح تشغيل الغسالة.
إلا أن ارتباكها الآن  المخلوقات  قد تضاعف،
أولاً بسبب وطأة الإلحاح والطلب،
وثانياً لأن مصيرها سيكون تحت مِجهر وعين طبيب لن يبتسم أبداً.
وخرج س وهو يُغلق بيده الباب خلفه ويُمسك بالأخرى مخلوقاته،
مواجهاً خطيبته أو التي ستكون، وهي تجلس في طُرقة ضيقة،
لتلمَح وجهه محمرّاً، ليس من خجلٍ ولكن من معاناةٍ شديدة،
فلم تتمالك نفسها رغم عِلمَها التام بما حدث،
لأن التي ستكون قد تسرّبت إليها الإثارة وهي مكانها في طُرقة ضيقة،
حينما فكّرتْ أنه منذ دخوله الحجرة  حجرة الكشف  قد بدأ في تعريتها،
فخلع عنها ملابسها وتلمّسها، حتى عَبَرَتْ حيواناته بسلام،
لم تتمالك نفسها عندما رأته في تلك اللحظة مُحمر الوجه،
فابتسمت في باديء الأمر، بينما هو يُحاول أن يداري تجربته
حتى أنقذه الطبيب منها.
لم تستطع التماسُك وقد ازدادت ابتسامتها كلما اقترب منها س،
وما أن استقر جوارها حتى انتابتها هستيريا الضحك.
هذه الضحكات العالية التي تآلفَت وزادت من احمرار وجه المسكين،
ليس خجَلاً مما فعَل،
ولكن لأن الجميع كانوا يُمَجْهِروْنَه قبل دخوله الحجرة ووقوفه على
منصّة الفحص ليُفرز أبناءه بناءً على طلب الجميع، حتى يكون
بمنأى عن الخطر.
لنفحص عملية الاستمناء هذه، وهي عملية قد قام بها س مئات المرّات
قبل المرّة المشئومة، فقد كان يشدّ خيط الصور  فقط بدايته
لتتراءى له وتلح عليه، مع التشجيع والتحفيز الهائل من جانب الخفاء
الذي كانت تتم فيه المسألة أوالعملية.
الخفاء الذي كان يجعل س يواجه الآخرين بكل رزانة واحترام،
بعدما تأكد تماماً أنه ترك مخلوقاته في أماكن
لن يستطيع التاريخ ذِكْرها بعد ذلك.
أمامنا الآن السيد س في حالتين . . حالة المجهر وحالة الخفاء/
ولنتمتع بمساحة أكبر من رحابة الصدر ونحن في عصر الديمقراطية
والسماوات المفتوحة، مع مُلاحظة أن
كلمة المجهر = السماوات المفتوحة،
وكلمة الديمقراطية = الخفاء،
ذلك في حالة السيد س فقط.
ووفق مبدأ الفحص . .
لنتخيّل أن الزعيم الراحل طِيلة حياته وأثناء فترة صخبه كان
يُمارس الاستمناء، وهو لا ينتمي إلى الاستمناء السيني
نسبة إلى السيد س، لكنه نوع من الاستمناء يمكن أن نُطلِق عليه
( الاستمناء السياسي ) والذي عن طريقه كان توتر الزعيم الراحل
يهدأ فيُمكنه مواجهة الآخرين برزانة ورباطة جأش وأحياناًً بتهور،
بعدما يكون قد وضع مخلوقاته في أماكن لن يتذكرها التاريخ أبداً،
فيظل دائماً على مقدرة من مواجهة الآخرين، وإحكام سيطرته عليهم،
حتى لو مات أو رحل أو انتهى.
هذه هي حالة الخفاء.
ويأتي الرئيس الراحل ليُطالبه الجميع بالاستمناء  سياسياً  تحت
الأضواء وأمام الكاميرات والميكروفونات، فكانت حالته بالضبط
كحالة السيد س، والمسماة بحالة المجهر
فكان لابد وأن يَحْمَرّ وجه الرئيس الراحل نظراً لشدة حرارة الأضواء
والفلاشات المُزعجة، كما أن مخلوقاته في هذه الحالة لن يُهملها التاريخ،
لذلك/
حينما بدأ في وضعهم فوق منصّة الخطاب انفجر الجميع بالضحك.
وقرر المحللون السياسيون  لا الأطباء
أن الرجل ليس في استطاعته إلا أن يكون مُهرّجاً،
فتعالت الضحكات  هذه الضحكات كانت على العكس تماماً
من ضحكات التي سوف تكون خطيبة صديقي القديم س
الضحكات التي جعلت كاتباً سياسياً أقرب إلى الروائي  يتخذ دائماً
شكل البوق أن يؤلف كتاباً يقترب من الخمسمائة صفحة يصف
فيها شكل وصوت تلك الضحكات !
إن مشكلة الرئيس الراحل تكمُن فيما يُسمى
بـ ( المُصادفة المُباغتة )
فبعدما تمت العملية تحت المجهر وخرجَت المخلوقات إلى المنصّة،
ارتفع الضحك، وهنا . . اهتز قليلاً  أي الرئيس الراحل
فاصطدمَت يده بالمنصّة، فتراقصَتْ مخلوقاته، وتمايلت بجمال أمام عينيه،
حتى أنه قد انبهر ولم يعد يصدق نفسه، وقد أرجع ذلك
أولاً إلى العوامل المجهرية من أضواء وعدسات تصوير
وميكروفونات وخلافه، وثانياً إلى صوت الضحكات الذي جعله يهتز
ويصطدم بالمنصّة، لتتراقص مخلوقاته أمام عينيه،
فلم يعد يرى الضحكات أو يسمعها إلا في شكل تصفيق حاد/
التصفيق الذي جعله يتجه مُباشرة نحو مصيره، ويسقط بين
مخلوقات أخرى أشد شراسة وأكثر منه مُدعاة للضحك.