إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، ديسمبر 17، 2011

من حكايات إزميرالدا



(1)
حكاية الرجل المعتوه

الرجل المعتوه، الذي لم يبرح كرسي خياله منذ تعديه العشرين، والذي خلق حياة لغرباء لا يعرفونه، ظل طيلة خمسين عاماً يحاول أن يبادلهم السلام، وأن يجادل ملامحهم، راسماً لهم تجاعيد تليق بهم فوق حائط غرفته المغلقة عليهم، وعليه بالطبع.
المعتوه الذي خلقني كتذكار يقيه شر الوحدة، وملل الخوف . .
لم تشفع له لوحات ملفوفة رتلها عليّ، وعلمني تفاصيلها بيقين مخشوع،
لم تشفع له رحلات كثيرة، ومسافات طويلة لم تتعد بلاطات حجرته/
كنيسة داومتْ على زيارتي/تنيناً مجروحاً أحتفظ بدمائه بين كفيّ/
فأبكي مُشفقة على دمه الحي، وأبصق على شمعة تنير وجه قاتله.
لم تشفع له زيارات آحادٍ كئيبة، ونزهة تتسم بالبراءة، رغم تنانير قصيرة مُهرّبة وأزهاراً تذبل قبل عبوري بوابة حديدية، أسرع من سلام فاتر ألقيه إليه كمتسول. أزهار تتفتت في جيب طفولتي كتعويذة ضد كوابيس أقل سخافة من وجهه، وأكثر احتمالا من ملمس يده كلما مسح دموعي، أو آمني من خوف.
المعتوه .. الذي لم يبرح كرسي خياله وقد لمس أعوامه الخمسين
قرر أن يكون احتفالياً وفق مشيئته، التي لم تتعد عتبة حجرته،
قرر أن يفتح نافذة وحيدة تبادل غباءه الرقص/ترسل السلام والتحيات     لغرباء لم تزل طفولتهم تساومهم على نسيان جرح حي.
 
(2)
حكاية البنت العبيطة
 

وضعتْ جسده فوق ترابيزة التشريح، بعدما نزعت ملابسه في سهولة، أكثر بكثير من تفاصيله الباقية في ذاكرتها. وحتى لا تتوتر أكثر، وتسمح له بالمساومة .. فصلت الرأس عن الجسد في ضربة واحدة ، وهي تدعو في سرها أن تظل عيناه مفتوحتان. وبالمصادفة سقط الرأس بجوار حذاءها، وبالمصادفة أيضاً حدّقت العين المفتوحة في يد صاحبها المدلاة، دون أن تلتفت الواقفة، التي كانت منشغلة بتأمل الجسد الملقى في صورته الجديدة، رغم الدماء المتناثرة على وجهها، والتي لونت مساحة من صدرها العاري.
نظرتْ إلى الدماء التي نمّشت صدرها، وإلى خيط أحمر بدأ يسيل ويرسم له طريقاً نحو الأسفل، تأملته جيداً، وأزاحت بعض من خصلات شعرها الأسود،
وفي التفاته غير مقصودة لمحت العين المفتوحة بجوار حذاءها عالي الكعب،
فوضعت حداً للخيط الأحمر، الذي بدأ يتسلل لأسفل أكثر من اللازم، فأدركت خبث صاحبه .
جاءت بالكرسي الوحيد بالحجرة، واحتوت الرأس بين راحتيها، جلست،
وأراحت الرأس بين فخذيها، وبدأت في تضفير الشعر، محاولة بكل الطرق
ألا تلتقي وعين الرأس المضفورة، ومع كل حركة بدأت الرأس تحتل مساحة
لئيمة بدأت بشبه انفراجة للفخذين القاسيين، ومع كل ضفيرة جديدة تشد جلد الرأس وتزيد من تجاعيد الجبهة، كان هناك مزيد من ليونة تتسرب إلى الجالسة، مع معاودة خيط الدماء السير في مسار صحيح، حتى استقرت الرأس بين مكمن الجالسة، وعينها المفتوحة تطالع الوجه المتحفز في ابتسامة مربكة.

(3)
حكاية القديس


كقديس كهل/
هوايته الوحيدة لملمة اعترافات الأطفال
كتسلية بيضاء
في لون شعره،
دون التورط في ألعاب يجهلها.
احتفظ اليوم بخطيئتين، لم يسمح لهما بالتداول.
تحفظ الأولى درجة خشوعه أمام الآخرين،
والثانية تسمح له بالبكاء بينه وبين نفسه. 
بخطيئتين ومسبحة ..
ساوم رفيقة خياله
ــ رغم خيانات غيبية يجهلها ــ
طيلة أعوامه الخمسين
كتعويذة أو طقس يأخذ فرصته في المباهاه
تدخين أعوامه مثلاً كل ليلة/سماع حكايات عجائز حكيمات
يتقيأ نهاياتها عند مقابرهن/حفظ قصاصات عن لصوص احتفظوا بحبيباتهم
عند حد المقاصل/تربية القطط الشرسات/الجلوس مع الله أحياناً
حينما تكون ربته منشغلة عنه بفيلم السهرة، أو تعد قهوتها
التي يشرب بقاياها باردة فينصرف عنه الله،
لأنه ــ القديس ــ لم يُحسن كرم الضيافة.
وهكذا ..
أخذت تطوله المساومة
دون أن تمَس ربته،
التي أتقنت اللعبة ورسمت ملامحها فوق مسبحته،
مدركة أن ضحك الأطفال سوف يزيد من انحناءة ظهره
واعترافاتهم ستجعله يتعثر في ثوبه الفضفاض،
الذي سيزداد اتساعاً بقدر خبثهم
ولا مبالاتها
التي سيمسكها اليوم بين خطيئتين
تسمحان له
بشرب القهوة في ميعادها
وصلاة سرية
تبرر غيابه عن ميعاده العرضي مع الله.

(4)
حكاية للفتيات الطيبات

الرحيمة التي انتوت وداع الجميع، ابتلعت شريط الأقراص المنومة عن آخره،
واستسلمت لفرح يخصها وحدها، ولكنها نست أزهارها المتراصة ــ كبنيان على شرفتها ــ فاستسلمت لتأنيب الضمير.
الرحيمة تذكرت وصايا قديمة، منقوشة على لوح طفولتها، وصايا عديدة انتهت صلاحيتها عند خدش صغير على فخذها الأيسر، رغماً عن تنانير تتصنع النعومة.
الرحيمة التي أشفقت على أزهارها، لم يشفق عليها آخرون، تنفسوها
في ما بينهم، وعلقوا صورتها على حوائطهم المجروحة بضوء براءتها/
الآخرون تراصوا كبنيان أمام شرفتها، فابتسمت وتلت التعاويذ، وهي تمر بينهم وتهيل التراب، بينما أعضائهم المنتصبة كحراب مسنونة بدأت في الارتخاء والتوَت تلف أعناقهم، كما سيخطف أبصارهم نور خدش قديم، وبراءة مصطنعة من تنانير امرأة أنبها ضميرها حين نظرت إلى أزهارها المتراصة كبنيان.
الرحيمة التي تعودت إحكام غطاء رأسها، حتى يظن الجميع أنها ابنة حلال، والتي تعودت بعد ظهور خيط أحمر رقيق، ألا تتبادل السلام مع أبناء عمومتها، وأن تخجل من نظرة عارضة لأبيها حين يفاجئ شرودها، وأن تستسلم لحكايات قديمة لم تتعرف مصدرها، عن بنات جميلات مخدورات لا يصافحن الشبابيك، ولا وجوه الغرباء/بنات يخفين حرارتهن وقت الصلاة، ويمارسن الوحدة مع الله!
ويتذكرن جلسة جداتهن وعروق أيديهن الخضراء، تمسد شعورهن وتخدش بدون قصد جباههن الناعمة، فيدعون لهن بطيلة العمر.
الرحيمة الآن توحدت وتأنيب الضمير، الذي لم يمنع يدها من التصلب فوق رشاشة الماء، والأخرى تشد تنورة عن آخرها، لتخفي خدش قديم لن يغادرها بسهولة، كما حكايتها التي لن تغادر ذاكرة فتيات طيبات، يخاصمن الزهور ويعشقن المتاريس.