إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، ديسمبر 01، 2013

عيشة بنت الباشا ... سعدي يوسف

طِلْعَت الشُمّيسهْ
على شَعَرْ عيشهْ
عبشه بنت الباشا
تِلْعَبْ بالخرْخاشةْ!
*
لَكأنّ عائشةَ الجميلةَ تستجيرُ تقولُ لي: سعدي !أوَلستَ مَن يهوى الجميلاتِ؟ الحرائرَ ... والصبايا؟
كيفَ تخذلُني، إذاً؟
أنتَ العليمُ بأنني، بنتٌ لتاسعةٍ، وأني كنتُ ألعبُ بالدُّمى.لكنهم جاؤوا
وقالوا: ثَمَّ تطْريةٌ لوجهِكِ...(كان وجهي وجهَ طفلتكم، وليس من معنىً لتطريةٍ ...)
أجابوني:النبيُّ أرادكِ!
*
طِلْعَت الشمّيسةْ
على شعَر عَيشة
عيشة بنت الياشا
تلعب ْ بالخرخاشة ْ
*
وعائشةُ، الحـُـمَيراءُ...الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ، والشَّعْرُ أحمرُ.يا عطاَ الله!كان محمّد، ما بين رُكعته، وتالي رُكعةٍ، ينوي يُباشرُها
وأحياناً يرى ما بين ساقَيها، صلاةً...هكذا
ذاقتْ عُسَيلَتَهُ
وذاقَ محمدٌ، دبِقاً، عُسَيلَتَها...هيَ مَنْ هيَ: الـحَوّاءُ
عائشةُ الحـُمَيراءُ،
الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ...صنمُ النبي ّ!
*
طِلْعَت الشمّيسة
على شَعَر عيشة
عيشة بنت الباشا
تلعبْ بالخرخاشة...
*
لكنّ عائشةَ الجميلةَ، سوفُ تُعْلي أن ناعمَ شَعرِها سيظلُّ أحمرَ
سوف تُعْلِنُ أنه ، أبداً، محاربةٌ...لقد قهرتْ نبيّاً في السريرِ
وهاهي ذي، على جملٍ، تقاتلُ.إنّ عائشةَ الـحُـميراءَ
النبيّةُ
بعدَ أن ذهبَ الذكورُ الأنبياءُ إلى الهباء...
*
طِلعت الشمّيسة
على شعَر عَيشةْ
عيشة بنت الباشا
تِلْعَبْ بالخرخاشة!

لندن 16/11/2013
عن موقع سعدي يوسف

الأربعاء، سبتمبر 25، 2013

أُخرج في موعد مع فتاة تحبّ الكتابة


أُخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة. أُخرج في موعد مع فتاة لم يسبق لك أن رأيتها في ملابس نظيفة تماماً، بسبب قهوتها التي تحملها معها دائماً، وبسبب بقع حبر قلمها، ولديها مشاكل دائمة في ترتيب غرفتها، وجهازها المحمول ليس مُملاً على الإطلاق لأن داخله كلمات كثيرة، وعوالم كثيرة، تتحرك أمامها في الهواء. تقرأ في شاشتها صفحات مليئة بالغرابة. وترى في الأسفل أيقونة أغنية مشهورة وهي ترقص في أذنها. تراقبها وهي تقرأ عن تاريخ كاثرين العظيمة، وعن خلود قناديل البحر. تضحك بشدّة حين تخبرك أنها نسيت تنظيف غرفتها، وملابسها مبعثرة حول أغلفة الكتب. وتعتذر منك وتخبرك أنها ستحتاج وقتاً أطول لتنزل إليك. وأن حذاءها مخبّأ أسفل جبل من الأقلام المكسورة التي كانت تحتفظ بها منذ أن كان عمرها ١٢ سنة.
قبّلها أسفل عمود الإنارة عندما تمطر السماء، واخبرها عن تعريفك للحب.


 
 

إبحث عن فتاة تحب الكتابة. ستكتشف أن لديها حس فكاهة عالي/أنها متعاطفة وحنونة لدرجة بالغة/أنها ستحلم وتبتكر عوالم وأكوان كاملة لأجلك. هي التي تملك الظل الضعيف أسفل عينيها، هي الفتاة ذات رائحة القهوة والكوكاكولا وشاي الياسمين الأخضر. هل رأيت تلك الفتاة، ظهرها متقوّس باتجاه مفكرتها الصغيرة؟ تلك هي الفتاة الكاتبة. أصابعها ملطخة أحياناً بالجرافيت والرصاص، وبالحبر الذي سيسافر إلى يدك عندما تتشابك مع يدها. هي لن تتوقف أبداً عن تذكّر المغامرات .. مغامرات الخونة والأبطال، مغامرات الضوء والظلام، الخوف والحب. تلك هي الفتاة الكاتبة. لا تستطيع أبداً مقاومة ملء صفحة فارغة بالكلمات، مهما كان لون الصفحة.

 
هي الفتاة التي تقرأ بينما تنتظر قهوتها أو شايها. هي الفتاة الهادئة بموسيقى صاخبة في أذنها. وإذا اختلست النظر إلى كوبها ستجد أنه أصبح بارداً، لقد نسيته تماماً كما تفعل دائماً.
وإذا رفعت رأسها وتذكرت أخيراً، اعرض عليها أن تطلب لها كوباً آخر. سوف ترد لك جميلك هذا بقصصها التي تكتبها لك. وإذا أغلقت جهازها المحمول، أعطها رأيك في تولستوي، واخبرها عن أفضل نظرياتك حول هانيبال وعبوره الكبير لجبال الألب. حدّثها عن شخوصك، عن أحلامك، واسألها إذا كانت انتهت من كتابة روايتها الأولى.

من الصعب أن تخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة. لكن كن صبوراً معها. اهدها كتباً في عيد ميلادها، ومذاكرات جميلة للكريسمس ومناسبات العام، فواصل للكتب، والكثير جداً جداً من الكتب. أعطها هديّة الكلمات، دعها تشعر أنك خلفها في كل خطوة على الطريق، رغم التقاطعات الخادعة والماكرة بين الحقيقة والخيال.

سوف تعطيك فرصة
لكن لا تكذب عليها. لأنها سوف تفهم ما وراء كلماتك. سوف تكون مُحبطة جداً لأنك تكذب عليها، لكنها ستتفهم. ستتفهم أنه أحياناً حتى الأبطال يفشلون، وأن النهايات السعيدة تتطلب وقتاً. هي واقعية. وليست عجولة أبداً، ستتفهم بأن لديك أخطاء. ستقدّس أخطاءك، لأن الفتاة التي تكتب تفهم معنى الحبكة. وتفهم أن النهايات يجب أن تحدث، مهما كانت سعيدة أو حزينة.

الفتاة التي تحب الكتابة لا تتوقع الكمال منك، لأن قصصها غنيّة بالتحولات، وشخصياتها متعددة الأوجه بسبب عيوبها الكثيرة المثيرة للاهتمام. هي تفهم أن الكتاب الجيد لا يجب أن يكون مليئاً بالشخصيات المثالية. أن الأشرار والأخطاء التراجيدية هي ملح الكتب. الفتاة التي تحب الكتابة ستتفهم أنك بشر وأن أخطاءك واردة.

كن رفيقها، كن حبيبها، كن حلمها، كن عالمها

إذا وجدت فتاة تحب الكتابة، فحاول إبقاءها بالقرب منك. إذا وجدتها مستيقظة عند الثانية صباحاً، تكتب بشراسة وأضواء الشاشة تنير وجهها، ضع اللحاف بلطف على ظهرها حتى لا تصاب بالبرد. إصنع لها كوباً من الشاي، واجلس بجانبها. قد لا تنتبه لوجودك أصلاً وتغادرك إلى عوالمها البعيدة داخل الكتابة، لكن هذا سيستغرق دقائق فقط، ثم ستعود إليك ممتلئة بالكنوز. وأنت ستؤمن بها في كل لحظة، وأنتما أمام ضوء الشاشة، لا يستطيع أحد أن يقوم بقهركما في هذا الظلام المقدّس.

هي شهرزادك. عندما تخاف من الظلام سوف تقودك من يدك، كلماتها تتحول إلى مصابيح، إلى أضواء ونجوم وشموع تقودك عبر أكثر أيامك ظلاماً. ستكون هي الفتاة التي ستنقذك. سوف تسرقك بعيداً على متن منطادها الهوائي، وستكون مسحوراً بها. هي مؤذية وهي لعوب، ولكنها هادئة. وعندما تضطر لقتل شخصية من شخصياتها المحبوبة في القصة، وعندما تبكي، احضنها وأخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام.

سوف تتقدم أنت لطلب يدها للزواج. ربما على قارب وسط المحيط،/ربما في كوخ صغير بجبال الأبلاش/ربما في نيويورك/ربما شيكاغو/بالتيمور. ربما خارج مبنى دار النشر التي تعاقدت معها. لأنها مشرقة ومتوهجة في أي مكان تذهب إليه. ربما حتى خارج السينما حيث كانت قبلتكما الأولى تحت المطر. ستخبرك أن كل هذا مكرر ومستهلك، لكن التماعة عينيها ستخبرك بالحب داخل قلبها والجنون الذي تخفيه عنك. سوف تبتسم أنت بشدة عندما تتحدث معك، قلبك سوف ينسى نبضة أو نبضتين حين تمسك بيديك وتكتب القصص عن حياتك وحياتها. سوف تقترب منك كثيراً وتحتضنك، سوف تخبرك بالأسرار في أذنك. هي لطيفة وتحبك، تذكر هذا. هي صنعت نفسها بنفسها، وهي رائعة الصنع. قد يكون اختيارها لأسماء أطفالكما سيئاً، ولكنك سوف توافق.

الفتاة التي تحب الكتابة ستحكي لأطفالك قصص بارعة الجمال والسحر
لأن هذا هو أجمل ما تملكه. لديها الخيال، ولديها الجرأة، وسيكون هذا كافياً. سوف تنقذك في محيطات حلمها. ستكون فارستك، وستكون عالمك، في انحناءة ابتسامتها، في اللون البندقي لعينيها، في الكلمات التي تنهمر منها كالسيل، كالموجة، ساحرة إلى درجة تجعلك تخسر أنفاسك لصالحها، هي الفتاة التي تحب الكتابة. ربما لا تكون متقنة تماماً لقواعد اللغة، لكن لا بأس بذلك.

أُخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة لأنك تستحق هذا. هي ظريفة ومتعاطفة، غامضة بعض الأحيان. ولديها حياة مليئة بالألوان أكثر من أي فتاة أخرى.

الفتاة التي تحب الكتابة تفهم الواقع. ستغيظك في بعض الأوقات، وربما يصل بك الأمر لكرهها، وربما تكرهك هي أيضاً. لكن الفتاة التي تحب الكتابة تفهم طبيعة الإنسان، وتفهم بأنك ضعيف. لن تتركك في منتصف الليل وتركب القطار عند أول لحظة تبدأ فيها الأمور بينكما بالتداعي. سوف تفهم أن الحياة ليست كالقصص، لأنها بينما هي منهمكة في كتابة قصصها، هي تعيش معك في الحياة.

أُخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة ...
لأنه لا يوجد شيء أفضل من الخروج في موعد مع فتاة تحب الكتابة.


* المؤلف مجهول
* ترجمة/محمد الضبع
عن موقع "معطف فوق سرير العالم"

الاثنين، يوليو 08، 2013

tattoo













 

من "موباسان" إلى "سيد قطب" ... تأصيل الصراع بين الشرق والغرب من خلال الأساطير الحسيّة


الخيال الجامح والجامع لكتاب "ألف ليلة وليلة"، والذي تداخلت في تأليفه حضارات مختلفة كالهند وبلاد فارس ومصر والعراق، حضارات طالها المد الإسلامي في غزواته وفتوحاته، ليخرج بلسان عربي مبين، ويؤسطر لخيال متحرر من رمال الصحراء، محاولاً صياغة هذه الحياة في مفردات متزنة، ما بين عالم الإنس والجن، وحتى الجمادات. هذا الكتاب الذي سَحَر الغرب عند ترجمته إلى اللغات الأوروبية، حقق دون أن يدري مفاهيم لم تتزحزح لوقتٍ طويل عن الشرق، وخاصة عالم النساء الشرقيات، هذا العالم الغامض، الخفي، لحور مقصورات، حاول بعضهن الانتقام من سلطة الرجل الوهمية، عبر حيلة أجسادهن. ولكن المخيلة الشرقية مؤخراً أصبحت تتنفس المنظور نفسه حيال الغرب، لتجسد انتقامها في تصوير الغرب كساحة للانحلال الجنسي، الذي أكدت الأعمال الفكرية والمؤلفات الأدبية على هذا المفهوم، دون أن تستطيع الخروج منه حتى الآن!

 


الصراع فوق خرائط أجسادهن

لا يوجد رحالة أو مستشرق أو أديب، أوحتى زائر غربي جاء إلى إلشرق وكتب انطباعاته أو رؤاه إلا وتعرض للمرأة، خاصة في الجانب الحسي منها. (موباسان الذي رأى الشرق خلال وجوده بالجزائر عبارة عن مرتع للرغبات والحواس). إضافة إلى رسومات فناني الاستشراق، الذين صوروا المرأة الشرقية من خلال ما يحيطها من أساطير، وفي محاولة لفض غموض وحدتها المزعومة. وكذلك فعل الشرقي حين عرف سبيله إلى الغرب، كرد فعل على عقلية طالما أهانته، فتجسد ثأره وفق مخيلة ذكورية موروثة ــ وهمية في الغالب ــ لتصبح عبارة عن مغامرة حسيّة يخرج منها منتصراً على الدوام. (راجع رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، كمثال لافت على هذه الحالة المزمنة). لذا نجد أن الجنس قد لعب دوراً سياسياً بارزاً في صياغة العلاقة بين الطرفين، حيث قدمت نمطية الخيال والأساطير عن شبقية الشرق في تاريخ وأدبيات الغرب دعماً ومساندة كبيرة للحكام ليقوموا بحربهم ضد الشرق بداية من الحملات الصليبية وانتهاء بالاحتلالات الحديثة والاستيلاء على ثرواته، بل وانتهاء بالاحتلال الأميركي للعراق، وفضيحة أحداث سجن أبو غريب. لنجد على الناحية الأخرى رؤية مؤسس جماعة الإخوان المسلمين "حسن البنا" الذي اتهم الغرب بإفساد المجتمع المسلم، لأنهم .."يرسلون إلينا نساءهم أنصاف عرايا"، وصولاً إلى تلميذه "سيد قطب" الذي انتقد الكنيسة الأميركية التي أخلت السبيل للانحلال الأخلاقي.


الاستشراق الجديد

طوّر الغرب من رؤيته وأسلحته، فانتقل من الاستشراق الكلاسيكي إلى الاستشراق الجديد، من خلال كتابات كل من "برنار لويس" و" وصامويل هتنجتون"، فالأول عمل على أسلمة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والأخير خلق الفضاء المناسب لكيفية قراءة هذه الأحداث. ورغم سياسية التنظيرات والنتائج، إلا أنها واكبت رؤية اجتماعية، تلاقت والهدف نفسه، ذلك خلال تغير نظرة الرجل الغربي للمرأة الشرقية، من مجرد جسد ومحل رغبة، إلى كائن إنساني يسعى لتحقيق حريته والانفلات من قبضة القيود والأعراف الاجتماعية. هذه النظرة محل نقد في مدى جديتها، لتصبح وسيلة أخرى أكثر تحضراً من رؤية الاستشراق الكلاسيكي، كحال كل من .. موباسان/ أندريه جيد/جوته/فلوبير/لامارتين، وفيكتور هوجو، الذين شغلتهم المرأة الشرقية والأوصاف الحسية والمغامرات الجنسية، والكيفية التي استثمروا بها هذه الأفكار وزجوا بها داخل الوعي الغربي "تلك الأفكار التي أضحت جزءاً من النظرة الأوروبية الشاملة حول آسيا وأفريقيا، والتي لعب الجنس دوراً فاعلاً فيها. (راجع التصورات الجنسية عن الشرق الأوسط ..البريطانيون والفرنسيون والعرب، للمؤرخ البريطاني ديريك هوبود).

 

فوبيا الحجاب

كانت أوروبا وما زالت بوجه خاص تعاني مما يسمى بـ "فوبيا الحجاب"، ولعل أحكام المحاكم الأوروبية المتواترة والمتفاوتة في هذه المسألة خير دليل على إشكالية هذه القضية المزمنة. وقد انتقل الحجاب من مجرد قطعة من القماش تغطي الرأس، إلى الفضاء السيموطيقي (علم العلامات)، ليصبح رمزاً يدل على حضور الشرق الطاغي داخل الثقافة والحضارة الأوروبية، وبالتالي الممارسات المرتبطة به، كتأكيد لهوية غير مرغوبة هناك من ناحية، وإلى التمييز بين سلطة ذكورية فاعلة وبين خضوع أنثوي سلبي من ناحية أخرى، وأخيراً كشعار يدل على الفصل بين فضاء الحداثة وبين تقاليد متخلفة. وتؤكد شخصية مثل "أيان هيرسي علي" النائبة الهولندية السابقة ذات الأصول الصومالية، اثنتين من الحجج الرئيسية لحركة الاستشراق الجديد ... الأولى هي وجود تعارض بين فضاء غربي، تحرري وبين فضاء إسلامي غير صالح ثقافيًّا أمام التحديث، والثانية في تقديم الحل للعالم الإسلامي إذا كان يريد الخروج من عصوره الغابرة فيحدث قطيعة مع "الإسلام". هذه الرؤية التي ترتكز على استخدام صورة المرأة لم تعد ذات طبيعة استعمارية فحسب، لكنها يمكن أن تستخدم أيضاً كتبرير دقيق لروايات صراعية في داخل الدول ومن خارجها، كما تبيّن أن إدانة وضعية المرأة والواجب المعنوي في تصحيح هذا الظلم الواقع عليها هي مكونات هامشية، من ضمن أخرى، جرى إعادة استخدامها من قبل إدارة جورج بوش الابن (2001-2009)، بهدف أن تضيف إلى الاستجابة العسكرية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، بعداً ذا طبيعة حضارية. (راجع تيار الاستشراق الجديد والإسلام لأوليفييه مووس).

 
المرأة الشرقية بين البارانويا والفصام

في كتابها "النسا والإسلام والغرب" تنظر الناشطة المغربية "أسماء لمرابط" إلى الموضوع من وجهة أخرى، وإن كانت تؤصل لموضوعنا، فترى أن الغرب مصاب بعقدة البارانويا (جنون العظمة) في حين أن العالم الإسلامي مصاب بانفصام الشخصية، فالجنون الغربي يتعامل بانتقائية مع قضايا المرأة المسلمة، وتختفي من لغته مفردة النسبية الثقافية، التي يوفرها لنساء أخريات، بينما العالم الإسلامي يعاني من سيطرة العقلية الذكورية على الدين والتاريخ والسياسة والعلم. لذا تدعو المفارقة التي تتبناها المؤلفة إلى الدهشة، لتدل على يأسها من تحقق المرأة داخل العالم الإسلامي، والعمل على تصحيح النظرة وأخذ الحقوق من خلال مفردات العالم الغربي، وذلك عن طريق حركة نسائية إسلامية من قلب الحداثة الأوروبية، لما تتيحة من فرص داخل إطار الحرية الغربية!

 
أرض شاسعة للصراع
سيظل جسد المرأة أرضاً للصراع، وفق مخيلة العقلية الشرقية، وسيستغله الغرب في أطروحاته المتجددة دوماً لإشعاله، طالما النهج الذكوري الشرقي والعربي على وجه الخصوص لم يزل لا يرى في المرأة سوى جسد، لا يبارح غوايته في مخيلته المُظلمة، ويسعى جاهداً لستره طوال يومه، بديلاً عن قمع وبؤس يتنفسه، وصولاً إلى سُلطة موهومة سقطت منذ زمن تحت أقدام امرأة تدعى "شهرزاد".
 

الاثنين، يونيو 24، 2013

Rise like Lions


"لسنا بحاجة إلى نظام لكي نكون، لأن المشكلة قائمة والجميع تقريباً توصلوا إلى قناعة أن لا فائدة، الناس يئست، بذلوا حياتهم ودرسوا وتخرجوا من الجامعات ولا نتيجة، إنهم يريدون إعادة بناء النظام الديموقراطي والحقوقي، الناس لديهم الإرادة والصوت ولكن القرار ليس بأيدبهم، بل في أيدي الأثرياء وأصحاب القرار في وول ستريت ". هذه العبارات لديفيد جرابر، وهو عالم انثروبولوجي، ومن مؤسسي حركة احتلوا وول ستريت. يستعرض فيلم "انهضوا كالأسود" Rise like Lions  لمخرجه سكوت نوبل، خلفيات وتداعيات هذه الحركة، وما واجهته من قمع دولة تدّعي أنها الراعي الرسمي للديمقراطية في العالم.

 

رصد البدايات والأبعاد

جاءت البدايات الأولى للحركة من خلال سعي مؤسسيها إلى حشد مجموعة من المتظاهرين، والذهاب إلى وول ستريت للتعبير عن سخطهم على سياسات العولمة وما يمثله وول ستريت من حاكم لسير حركة رأس المال العالمي. كان الهدف في البداية هو استحضار 2000 شخص، إلا أن  الحركة استقطبت عشرة أضعاف هذا الرقم، لتنطلق يوم 17 سبتمبر، وتتسع وتنتشر في جميع الولايات الأميركية. ويرصد الفيلم ابعاد وخلفيات الحركة، وجذورها وامتداداتها في المجتمع الأميركي، بالاستناد إلى عدد كبير من المقابلات والوثائق التي تسلط الضوء على هذه الحركة/الظاهرة، الجديدة على المجتمع الأميركي، الذي يعيش غالبيته تحت رحمة الميديا الأميركية التي تشكل عقل وسلوك المواطن هناك.

والحركة التي لم تكن غير حركة احتجاجية بسيطة من الممكن أن تستغرق يوماً أو أكثر، ثم يعود الكل إلى منازلهم، اتسعت بشكل غير متوقع، فتتشكل لها قيادات في العديد من المدن الأميركية لكي تنتظم في تظاهرات مماثلة، لتبدأ بعدها حملة المطاردات والاعتقالات، فيظهر الفيلم شراسة شرطة نيويورك وغيرها في التصدي للناشطين والمتظاهرين بالعصي وتكبيل الأيدي والاعتقال، ذلك في لقطات حية وكاميرا محمولة تهتز وتصطدم بالحشود البشرية أثناء الفرار والاختباء والمطاردات.


حقائق وإحصاءات

يقدم الفيلم العديد من الحقائق والإحصاءات، حرص الناشطون على نشرهامنها ... أن مالا يزيد عن 140 ألف شخص فقط هم الذين يمتلكون المال والسلطة وهم لايشكلون أكثر من 1%، لهذا اطلق الناشطون شعار "نحن 99%" حتى صار أيقونة تمردهم على الهيمنة الرأسمالية.
وبطريق غير مباشر يرصد الفيلم الإيديولوجيا التي ينتهجها عدد من ناشطي الحركة، فغالبيتهم يُجمعون على حق التظاهر ضد الظاهرة الإمبريالية الجديدة، كوجود أكثر من 700 قاعدة عسكرية أميركية منتشرة في معظم أنحاء العالم، خاصة وبصورة مباشرة في 35 دولة،وكذلك إدانة مقتل أكثر من 5000 جندي أميركي في حرب العراق، مقابل قتل أكثر من مليون عراقي، إضافة إلى سياسة دعم العديد من الأنظمة الديكتاتورية في أنحاء العالم، خاصة الدول التي لا تستجيب شعوبها للإرادة الأميركية.

 
لن نتوقف

ويلاحظ أن ناشطي الحركة تجمعهم حقيقة تمنحهم الشرعية والحق في التظاهر واستخدام أساليب الرفض الجماعي، خلاصتها أن الديمقراطية الأميركية ذاتها ــ افتراضاً ــ تكفل هذه الحقوق، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك. وقد جاءت عبارات بعض الناشطين خلال المقابلات بالفيلم لتؤكد وجهة نظرهم فيقول (جيمس لاجريس) .. "إننا لا نريد أن نفني أعمارنا حتى الموت، ثم نكتشف في النهاية أننا مازلنا مدينين للبنوك لأولئك السادة الجالسين في وول ستريت ولاس فيجاس"، كما يضيف المؤلف (كريس هيدجز) قائلاً .. "إن النظام الأناني الذي يركض وراء الأرباح وترسيخ النظام المركزي والمركزية في كل شيء هو الذي أنتج ظاهرة الجنون في جني الأرباح الطائلة والفوائد، حيث لا توجد قوانين في وول ستريت توقف هذا الشره وهم يلعبون كل الألعاب وأساليب الخداع للوصول إلى أهدافهم، ليروج لهم الإعلام، وعلينا أن نصدق ونرضى إلى الأبد... وهذا مستحيل".

 
من وحي الربيع العربي

لم ينكر أحد من منظمي ومؤسسي حركة "احتلوا وول ستريت" تأثير الربيع العربي، وطريقة الثورات العربية ــ لا نتحدث عن نتائجها الآن ــ من حيث الاعتصامات والتظاهرات السلمية المليونية، والتي أدت إلى سقوط الأنظمة الديكتاتورية العربية واحداً تلو الآخر. ولا أدل من ذلك على استلهام شعارات هذه الثورات، ورفع أعلامها في وول ستريت، كمصر وتونس، لذلك ضمت الحركة واستدعت ناشطين ومتظاهرين من تونس ومصر وغيرها ليشكلوا تجمعاً عالمياً تلتقي فيه الإرادات والتطلعات للتغيير.
فمهما تكن النتائج الأولية لهذه الاحتجاجات والتظاهرات، وحتى الثورات التي تبدو أنها اكتملت، فوجود جماعات الضغط، وخاصة الاجتماعية، نعتقد أنها الوحيدة القادرة على التغيير مهما طال الأمد. والثورة مستمرة.



الأحد، يونيو 23، 2013

عن فيلم ... "عطور الجزائر"


"عطور الجزائر" فيلم للمخرج "رشيد بن حاج"، والذي يسرد التحولات التي شهدها المجتمع الجزائري، منذ استقلاله عن الاحتلال الفرنسي عام 1962 وحتى الآن، فالشعب الذي خاض ثورته للتخلص من الاستعمار الفرنسي، ينتظر الآن معجزة ثورية أخرى للتخلص من المتأسلمين، الذين حوّلوا حياة الجميع إلى جحيم، حيث لا طوق للنجاة إما الموت وإما الهرب.

 


كريمة بعد 20 عام

كريمة التي هجرت بلادها منذ عشرين عام، واستقرت في باريس، تتلقى اتصالاً هاتفياً من أمها تطلب منها العودة، كمحاولة أخيرة لإنقاذ أخيها الأصغر (مراد)، المعتقل الآن، والذي يواجه الإعدام، لما قام به من جرائم ضد الأبرياء، هو وبعض المتشددين. تتذكر كريمة الأخ المُسالم في ما مضى، وكيف أن قسوة الأب هي التي أودت به إلى هذا المصير. الأب الذي يرقد بإحدى المستشفيات، وتتردد كريمة في زيارته، ولكنها تسارع بالوصول لزيارة أخيها لتكتشف الفاجعة. يُلاحظ أن الأب صاحب السلطة القاسية يُعد من جيل ثوار التحرير، هذا الجيل الذي خلص البلاد من سلطة المستعمر، ليحل هو محلها، وينتج عن خلاله جيل آخر متشدد، يحاول نسف كل مكاسب الثورة ومظاهرها المادية الحضارية، وهو الفخ الذي تسقط به معظم الثورات الكبيرة، وقد ألمح الفيلم بذكاء إلى هذا الجيل، وأنه الآن ــ كرد فعل أقسى ــ يرقد محتضراً في غيبوبة، ولا يستحق حتى الزيارة.

 بلاد الكُفار

 وبعد معاناة تصل كريمة إلى أخيها، وكحالة كل المتشددين، تندهش بأنها لم تعد تعرف الشخص الذي تحادثه، فهو يصفها بأنها باعت دينها في بلاد الكفار، وهي تريد أن تعرف منه السبب الذي يجعله يقتل آخر مثله، وتنهار في النهاية عندما يبوح لها برسالته في الحياة، بعدما رفض التوقيع على وثيقة يتخلى بمقتضاها عن العنف مقابل الإفراج عنه، كل ذلك في سبيل "تحرير البلاد من أعداء الله"، وهم بالطبع أبناء الوطن الذي يخالفون متأسلمينه في الرأي!

ماضيّ مرسوم فوق ساقي

جيل كريمة الذي فرّ من روائح البارود والموت، ظن أن تاريخه سيهجره، بمجرد هجرة الجسد، ولكن إحدى قريبتها الشابات (سامية)، التي تمثل الجيل الجديد، توضح الأمر لكريمة، التي ترفض المشاركة في مظاهرة للنساء، يحاولن خلالها المطالبة بحقوقهن، وتصر على عدم الفائدة من بلد لا رجاء منه، وتحاول إقناع سامية بالهجرة، لكن الأخيرة ترفض، وتجد معنى وجودها في مواصلة النضال. وفي مشهد جيد تحاول سامية أن تشرح لكريمة وجهة نظرها في الماضي الذي يلازم صاحبة ... تكشف سامية عن ساقيها التي ألقى عليها متشدد ماء النار لأنها ارتدت جوب قصيرة. فغير المحجبات مستهدفات على الدوام، لذا لم تعد تستغرب كريمة من رؤيتها ابنة أخيها ــ التي لم تتجاوز الخامسة ــ مُحجبة.

حلم الحرية من جديد

تقوم كريمة بزيارة أخيرة لأخيها، مصطحبة زوجته وابنته الطفلة، ويكون (مراد) قد وقع بالفعل على وثيقة نبذ العنف، ولكن لهدف آخر هو اللحاق بالمجاهدين في الجبال. هؤلاء أنفسهم هم مَن قاموا برمي السيارة بالرصاص، وهم في رحلة العودة من الزيارة، لتسقط زوجة مراد قتيلة برصاصات أصدقاء زوجها، وتعود كريمة بمفردها مع ابنة أخيها الطفلة، لينتهي بعدها الفيلم بمظاهرة للنساء، لم تتردد كريمة هذه المرّة بالمشاركة فيها، حاملة ابنة أخيها وسط هتافات النساء ... "الجزائر حرة .. ديمقراطية".

قراءة في كتاب ... "التيارات السياسية في إيران"


سيظل الوضع السياسي والإقليمي لدولة مثل إيران مثار جدل كبير، سواء بالنسبة لدول الشرق الأوسط، أو الغرب. إيران التي اتخذت من الإسلام دينها الرسمي، ورفضت لغته العربية، وبعد الثورة الإيرانية أصبحت دولة دينية، لايماثلها في العالم سوى إسرائيل! والسؤال هو .. أين تقف التيارات السياسية في إيران من هذا النظام؟ أين كانت قبل الثورة وماذا أصبحت؟ هذا التساؤل هو ما دار حوله كتاب "التيارات السياسية في إيران" لمؤلفته فاطمة الصمادي، والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو بحث أكاديمي مُحكَم، تناول وضع هذه التيارات وتحول خطابها في ظل ثورة دينية غيّرت من وجه إيران تماماً، وكأن ما كان قبل العام 1979 قد أصبح من الأساطير.




حُراس التقاليد وسلطة التحديث

تبدأ المؤلفة بحثها بمراجعة تاريخية للأوضاع السياسية والاجتماعية قبل الثورة الإيرانية، لنجد أن صراعاً مزمناً كان قائماً بين رجال الدين بصفتهم الحارس للتقاليد الإسلامية، وبين الطبقة الحاكمة باعتبارها القائمة على التحديث السياسي والاجتماعي، الأمر الذي قاد إلى فجوة عميقة بين التوجه نحو الدين والتوجه نحو الدنيا. إضافة إلى مواجهة أخرى قائمة على الدوام بين القوى الأصولية والتقليدية من جهة والقوى الإصلاحية من جهة أخرى، والمتمثلة بالأساس في التيارات الماركسية، التي تم القضاء عليها وتصفيتها بعد استتباب الأمر لسلطة رجال الدين، وقد تم استغلال التيارات السياسية اليسارية في البداية مثل التيار الماركسي (حزب تودة) والتيار اليساري الإسلامي (مجاهدو خلق)، لمواجهة الولايات المتحدة والغرب كحلفاء لآخر حاكم من أسرة بهلوي. والذي قامت سياسته على تقسيم المجتمع الإيراني إلى قسمين، فوضعت الطبقات والقوى التقليدية في مواجهة مع القوى الاجتماعية الجديدة، ليحدث الصدام بين قوى السوق التقليدية ورجال الدين والعشائر من جهة، وبين القوى الاجتماعية الحديثة المدعومة من الشاه من جهة أخرى.

مع ملاحظة أن هذه الصراعات لم تكن قاصرة فقط على الطبقات الاجتماعية، بل امتدت إلى الدين والدولة، وإلى المذاهب والطوائف، والأعراق والقوميات واللغة، خاصة في مجتمع يُقسّم عرقياً ولغوياً إلى ست مجموعات .. الناطقون بالفارسية (50%)، الأذريون الترك (23%)، الأكراد (11%)، العرب (5%)، البلوش (3%)، التركمان (3%).

 
ولاية الفقيه وهشاشة الدور الحزبي

ترى المؤلفة أن المشهد الحزبي في إيران بصورة عامة اتسم بالضعف والانقسام، مما جعلها تفقد مصداقيتها بالنسبة لعامة الناس، وكذلك لعدم قدرة أي منها على إيجاد التغيير الاجتماعي المنشود. كما أن المجتمع الإيراني منقسم بين الاتجاه المطالب بالديمقراطية والتعددية واتجاه متمسك بالأحادية والتبعية في سبيل تحقيق الاستقرار.

وقد ساعد في هذا الموقف المسألة المزمنة الدائرة حول "ولاية الفقيه" فالجدل بشأن ولاية الفقيه رافق الثورة الإيرانية منذ بدايتها، وأن التيار الإصلاحي يرى في الخميني ولياً فقيهاً وليس في من سيخلفه، إضافة إلى وجود اتجاهات مناهضة داخل إيران يمثلها "المستنيرون" تدعو إلى فصل الدين عن السياسية. من ناحية أخرى ومن المنطلق نفسه نجد أن التيار الأصولي هو وليد تيار اليمين الإيراني، ويلتزم هذا التيار ولاية الفقيه المطلقة ويؤمن بدور أكبر للدين في السياسة وبدور في حدّه الأدنى لتدخل الدولة في الاقتصاد، والتحول الذي شهده هذا التيار مع وفاة الخميني يكمن في الاستعداد للتحاور مع الولايات المتحدة. أما تيار الإصلاحيين فقد غاب عن المشهد السياسي الإيراني وذلك بفعل سياسة الإقصاء، والفشل في وضع خطاب إصلاحي موحد.

 
الحركة الخضراء والتيار النجادي

"الحركة الخضراء" التي شهدتها إيران عقب الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009 والتي جددت ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد، لم تكن امتداداً للحركة الإصلاحية الإيرانية، ولكنها ــ حسب المؤلفة ــ جاءت في إطار المخطط الخارجي لدعم "ثورة مخملية"، والقيام بـما يسمى "إسقاط ناعم" للنظام الإيراني.

وبينما تتشابه الحركة الخضراء والتيار النجادي في كونهما يأتيان خارج تصنيف اليمين واليسار، وكذلك خارج الأصولية والإصلاحية، كما يستند كل منهما إلى قاعدة شبابية قوية، إلا أن التيار النجادي يُعد تياراً مستقلاً عن التيار الأصولي الإيراني، والدليل على ذلك هو كيفية مجيء نجاد إلي كرسي الرئاسة وخلافه مع هاشمي رفسنجاني وقضية العدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد، والخطاب المهدوي، إذ يعتبر نجاد أن وظيفته تكمن في تهيئة الأرضية لظهور "المهدي المنتظر".

وهذا بدوره يُفسر العداء بين نجاد ورجال الدين، وخلافه مع التيار الأصولي بشأن السياسة الاقتصادية والعلاقة المضطربة بأميركا، لنشهد بعد ذلك التحول الذي طرأ على الخطاب النجادي، من خطاب إسلامي الصبغة إلى خطاب قومي إيراني، موظِفاً التاريخ والحضارة الفارسية في فترة ما قبل الإسلام بصورة أغضبت رجال الدين كما لم يحدث من قبل. ليصبح لنجاد تياراً سياسياً ذو ملامح خاصة يمكن أن تطلق عليه تسمية "تيار العدالة". وهذا التيار لا يعير الديمقراطية اهتماماً جدياً، ولا يروج للدولة الديمقراطية، بل يدعو إلى الدولة الدينية كنموذج للحكم في مواجهة النموذج الغربي للدولة!

السبت، يونيو 22، 2013

عن فيلم ... أندرومان من دم وفحم


رغم الانفتاح الظاهري لشعوب الشرق، ومحاولة التحايل على الحداثة التي يصر البعض على أنها انتقلت إلينا منذ زمن بعيد، إلا أن الممارسات الظاهرية لهذه الحداثة تنفيها دوماً تقاليد بالية تمتد بجذورها في روح وفكر ومعتقد هذه المجتمعات، منذ أن انتهجت السلطة الذكورية عنواناً لها. فلا الأديان في شكلها النقي استطاعت حل المشكلة، خاصة وقد تحولت على يد رجال الفقه إلى سجون أخرى من التقاليد والأعراف تؤصل لهذه السلطة الذكورية، ولم تزل تحاول جاهدة نفي الأنثى من الوجود، ومداراتها كعورة، رغم الطقس الاحتفالي الذي يقيمه الذكر لأنثاه في الظلام فقط!

لذا ليس بمستغرب أن يأتي أول فيلم روائي طويل للمخرج المغربي وكاتب سيناريو الفيلم "عز العرب العلوي" بأن يُعيد في سرد سينمائي متزن أسطورة مغربية قديمة تؤكد الوضع المأسوي للمرأة، الذي يعكس بدوره وضعاً اجتماعياً واقتصادياً أشد قسوة ومأساوية. وجاءت المعالجة السينمائية لهذه الأسطورة تحت اسم "أندرومان من دم وفحم" بعيداً عن العبارات الإيديولوجية، والرطانة الفارغة التي تعتمدها الكثير من الأفلام عند مناقشتها لمثل هذه القضايا، إضافة إلى الابتعاد عن سذاجة الجولات السياحية والخطاب المتشنج، الذي نراه في معظم الأفلام العربية التي تحاول عمل سينما بمقاييس ترضي الغرب، الذي لم يزل لا يرى في الشرق سوى وجوه الحريم المُحتجبة ورغباتهن الأشد غموضاً واحتجاباً.



جليلة تلمسي في لقطة من الفيلم
 

إغفر لي ... إنها أنثى

"أندرومان" هو اسم شجرة بالأمازيغية وتحمله كذلك الابنة الكبرى لأب غارق في قسوته، يعمل في تجارة الفحم الخشبي في قرية بولمان النائية في أعالي قمم جبال الأطلس. وقد جرت العادة في هذه القرية، أن يمتهن الأبناء مهن آبائهم بهدف الحفاظ عليها لضمان استقرار الحياة اقتصادياً، فالإناث لا يتملكن الأراضي، وبالتالي سيضيع الإرث بين رجال القبيلة. هذا إلى بجانب الوضع الاجتماع المزري لمن تكن ذريته من الإناث. وتعلم "أوشن" الأب ــ قام بالدور محمد خيي ــ أصول هذه الحرفة عن أبيه الذي ذهب ضحية سقوط شجرة أندرومان في الغابة التي يكتسب منها قوته. وقبل أن يلفظ الأب أنفاسه الأخيرة يوصي بأن ينقل أوشن هذه الحرفة للطفل الذي على وشك المجيء، عندما تضع زوجته حملها، ولكن الطفل يأتي "أنثى"، ويخبر أوشن والده بأنها أنثى، ويرجو منه أن يسامحه على هذه الفعلة، لأنه قضى على حلمه الكبير في خلود وهمي مزعوم، فيوصي الأب ابنه بأن يُطلق على المولودة اسم "أندرومان"، ثم يلفظ أنفاسه، ليُكرر أوشن إن الطفل ذكر وسيصبح ذكراً كما أراد جثمان والده الذي يحتضنه وسط الدموع والأمطار، وأشجار الغابة العالية. ليتحول هذا الجسد إلى شبح يظهر لأوشن من حين لآخر، وكأنه ظل التقاليد الخائبة، التي تعيق الحياة، وتجعل منها خوفاً ورعباً مزمنين، وجحيماً لا يُطاق.


صمت الروح والجسد

تعيش الفتاة بعد ذلك ــ جسدت الدور جليلة تلمسي ــ حياة صامتة، وكأنها في مأتم متصل، تشيّع فيه ملامحها وإحساسها كامرأة، وقد انعكس هذا القهر غير المحتمل في ملامح وجهها المتجمدة، ونظراتها الميته، وملابسها الخشنة، التي تتفوق على ملابس رجال القرية، رداء من الخيش، حائل اللون، وكأنها تسير في كَفن. ربما بعض الابتسامات التي تتبادلها مع أختها الصغرى الطفلة "رقية". التي تعبث في ألعاب وحركات طفولية، وتفتح صندوق ملابس الأم المتوفاة، لتطالع الفتاة ملابس النساء ذات الألوان المُبهجة، والملمس الناعم، الذي يتناغم وأجسادهن، حتى تفاجئ بالأب، الذي يعاقبها على فعلتها، ويُعلقها داخل بئر سحيق طوال الليل، ويخرجها في الصباح وهي على شفة الموت، ويطلب منها أن تعترف بأنها ذكر، فتقر بذلك تحت وطأة الألم. لم يكتف الأب بذلك، بل أتم عملية تشويه الفتاة حتى نهايتها، فقام بقص شعرها تماماً، لتتجنب رعب النظر في المرآة، وتغطي رأسها حتى بينها وبين نفسها، كحالة تغريب كاملة عن الجسد الأنثوي ودلالاته. لكن مصادفة اكتشاف الأنوثة تأتي بسقوط الفتاة في الماء، فيرى جارها وصديقها ملابسها المُبتله لتفتضح تفاصيل خريطة جسدها. هذا الشاب سيصبح حبيبها فيما بعد، وسيقتله الأب نظراً لإشاعة تسربت في القرية بأن "أندرومان" يمارس اللواط، وللعجب يثأر الأب لهذه التهمة الشائنة، دون أن يفصح أنها أنثى! لتهرب الفتاة بعض الوقت فوق حصان حبيبها المقتول، بعدما ترك أصابع كفه الدامي على ظهر الحصان حتى يفر بعيداً عن هذه الأرض الملعونة.

 
ما بين أمل مرجو وواقع أسطوري

رغم أسطورة الحكاية، إلا أن المخرج أراد لهذا العمل أن يخرج عن نطاق الأساطير، فلم يحدد زمناً تدور فيه الأحداث، اللهم بعض المظاهر التي تدل على بدايات وصول سلطة الدولة إلى هذا المكان المجهول. كوصول ممثل الدولة وهو رجل عسكري، وموظف إداري لعمل بطاقات هوية للسكان، ولكن الهدف الحقيقي هو أخذ شباب القرية إلى التجنيد الإجباري أو الخدمة الوطنية كما يزعمون في مثل هذه المواقف، دفاعاً عن ماذا أو ضد ماذا، لا يهم! فما كان من صديق "أندرومان" إلا الهرب في منتصف الطريق، والعودة ليظل بجوار حبيبته، ليقول لها في صدق شديد إنه ليس بجبان أو خائف، وأن البقاء بجوارها وحمايتها هو في حقيقته أعظم شيء يستطيع أن يقدمه لوطنه.

الفيلم يزخر بالعديد من المشاهد الدالة غير المتكلفة، فأحد ساكني القرية، والذي لم يستطع إنجاب الذكور، حينما يدخل المقهى يجعلونه يجلس بجوار الصغار على الأرض، بخلاف الآخرين الذين يجتلسون مصطبة كبيرة مرتفعة. كما جاءت بعض المشاهد القاسية التي تكاد تتفوق على قسوة الطبيعة وقوتها ... كمشهد تعذيب أندرومان، والمشهد الشعري القاسي لموت "رقية" الأخت الصغرى، التي ماتت فوق أحد فروع الأشجار لتراقب الغابة بينما أبيها يواصل عمله، ماتت الطفلة المُنهكة وسط البرد والأمطار المتساقطة، ليكتشف الأب فعلته ويصرخ طالباً المغفرة من الله.
ويمتد إسقاط الأمل في المستقبل على واقع الأسطورة بأن تصل الفتاة لحظة دفن أختها، فتكشف عن كنهها أمام الجميع، وتتباهى بكونها أنثى، ليطارد والدها شبح أبيه ويظل بمفرده بين القبور، لتبدأ النسوة في تزيين الفتاة، ولترتدي زياً يليق بها، لتشع الحياة من عينيها للمرة الأولى، وبتشجيع نساء القرية وكأنها أصبحت أملهن الوحيد، تجري مسابقة بينها وبين أحد شباب القرية لتسليم القيادة الحائرة منذ زمن ــ التي كان مؤهل لها حبيبها ــ لتعتلي حصانه وتتغلب على الشخص الآخر وتخطف الراية المُعلقة، إشارة إلى بدء حياة جديدة، بلا خوف أو مواربة أو خجل من كونها أنثى.