إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، يونيو 24، 2013

Rise like Lions


"لسنا بحاجة إلى نظام لكي نكون، لأن المشكلة قائمة والجميع تقريباً توصلوا إلى قناعة أن لا فائدة، الناس يئست، بذلوا حياتهم ودرسوا وتخرجوا من الجامعات ولا نتيجة، إنهم يريدون إعادة بناء النظام الديموقراطي والحقوقي، الناس لديهم الإرادة والصوت ولكن القرار ليس بأيدبهم، بل في أيدي الأثرياء وأصحاب القرار في وول ستريت ". هذه العبارات لديفيد جرابر، وهو عالم انثروبولوجي، ومن مؤسسي حركة احتلوا وول ستريت. يستعرض فيلم "انهضوا كالأسود" Rise like Lions  لمخرجه سكوت نوبل، خلفيات وتداعيات هذه الحركة، وما واجهته من قمع دولة تدّعي أنها الراعي الرسمي للديمقراطية في العالم.

 

رصد البدايات والأبعاد

جاءت البدايات الأولى للحركة من خلال سعي مؤسسيها إلى حشد مجموعة من المتظاهرين، والذهاب إلى وول ستريت للتعبير عن سخطهم على سياسات العولمة وما يمثله وول ستريت من حاكم لسير حركة رأس المال العالمي. كان الهدف في البداية هو استحضار 2000 شخص، إلا أن  الحركة استقطبت عشرة أضعاف هذا الرقم، لتنطلق يوم 17 سبتمبر، وتتسع وتنتشر في جميع الولايات الأميركية. ويرصد الفيلم ابعاد وخلفيات الحركة، وجذورها وامتداداتها في المجتمع الأميركي، بالاستناد إلى عدد كبير من المقابلات والوثائق التي تسلط الضوء على هذه الحركة/الظاهرة، الجديدة على المجتمع الأميركي، الذي يعيش غالبيته تحت رحمة الميديا الأميركية التي تشكل عقل وسلوك المواطن هناك.

والحركة التي لم تكن غير حركة احتجاجية بسيطة من الممكن أن تستغرق يوماً أو أكثر، ثم يعود الكل إلى منازلهم، اتسعت بشكل غير متوقع، فتتشكل لها قيادات في العديد من المدن الأميركية لكي تنتظم في تظاهرات مماثلة، لتبدأ بعدها حملة المطاردات والاعتقالات، فيظهر الفيلم شراسة شرطة نيويورك وغيرها في التصدي للناشطين والمتظاهرين بالعصي وتكبيل الأيدي والاعتقال، ذلك في لقطات حية وكاميرا محمولة تهتز وتصطدم بالحشود البشرية أثناء الفرار والاختباء والمطاردات.


حقائق وإحصاءات

يقدم الفيلم العديد من الحقائق والإحصاءات، حرص الناشطون على نشرهامنها ... أن مالا يزيد عن 140 ألف شخص فقط هم الذين يمتلكون المال والسلطة وهم لايشكلون أكثر من 1%، لهذا اطلق الناشطون شعار "نحن 99%" حتى صار أيقونة تمردهم على الهيمنة الرأسمالية.
وبطريق غير مباشر يرصد الفيلم الإيديولوجيا التي ينتهجها عدد من ناشطي الحركة، فغالبيتهم يُجمعون على حق التظاهر ضد الظاهرة الإمبريالية الجديدة، كوجود أكثر من 700 قاعدة عسكرية أميركية منتشرة في معظم أنحاء العالم، خاصة وبصورة مباشرة في 35 دولة،وكذلك إدانة مقتل أكثر من 5000 جندي أميركي في حرب العراق، مقابل قتل أكثر من مليون عراقي، إضافة إلى سياسة دعم العديد من الأنظمة الديكتاتورية في أنحاء العالم، خاصة الدول التي لا تستجيب شعوبها للإرادة الأميركية.

 
لن نتوقف

ويلاحظ أن ناشطي الحركة تجمعهم حقيقة تمنحهم الشرعية والحق في التظاهر واستخدام أساليب الرفض الجماعي، خلاصتها أن الديمقراطية الأميركية ذاتها ــ افتراضاً ــ تكفل هذه الحقوق، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك. وقد جاءت عبارات بعض الناشطين خلال المقابلات بالفيلم لتؤكد وجهة نظرهم فيقول (جيمس لاجريس) .. "إننا لا نريد أن نفني أعمارنا حتى الموت، ثم نكتشف في النهاية أننا مازلنا مدينين للبنوك لأولئك السادة الجالسين في وول ستريت ولاس فيجاس"، كما يضيف المؤلف (كريس هيدجز) قائلاً .. "إن النظام الأناني الذي يركض وراء الأرباح وترسيخ النظام المركزي والمركزية في كل شيء هو الذي أنتج ظاهرة الجنون في جني الأرباح الطائلة والفوائد، حيث لا توجد قوانين في وول ستريت توقف هذا الشره وهم يلعبون كل الألعاب وأساليب الخداع للوصول إلى أهدافهم، ليروج لهم الإعلام، وعلينا أن نصدق ونرضى إلى الأبد... وهذا مستحيل".

 
من وحي الربيع العربي

لم ينكر أحد من منظمي ومؤسسي حركة "احتلوا وول ستريت" تأثير الربيع العربي، وطريقة الثورات العربية ــ لا نتحدث عن نتائجها الآن ــ من حيث الاعتصامات والتظاهرات السلمية المليونية، والتي أدت إلى سقوط الأنظمة الديكتاتورية العربية واحداً تلو الآخر. ولا أدل من ذلك على استلهام شعارات هذه الثورات، ورفع أعلامها في وول ستريت، كمصر وتونس، لذلك ضمت الحركة واستدعت ناشطين ومتظاهرين من تونس ومصر وغيرها ليشكلوا تجمعاً عالمياً تلتقي فيه الإرادات والتطلعات للتغيير.
فمهما تكن النتائج الأولية لهذه الاحتجاجات والتظاهرات، وحتى الثورات التي تبدو أنها اكتملت، فوجود جماعات الضغط، وخاصة الاجتماعية، نعتقد أنها الوحيدة القادرة على التغيير مهما طال الأمد. والثورة مستمرة.



الأحد، يونيو 23، 2013

عن فيلم ... "عطور الجزائر"


"عطور الجزائر" فيلم للمخرج "رشيد بن حاج"، والذي يسرد التحولات التي شهدها المجتمع الجزائري، منذ استقلاله عن الاحتلال الفرنسي عام 1962 وحتى الآن، فالشعب الذي خاض ثورته للتخلص من الاستعمار الفرنسي، ينتظر الآن معجزة ثورية أخرى للتخلص من المتأسلمين، الذين حوّلوا حياة الجميع إلى جحيم، حيث لا طوق للنجاة إما الموت وإما الهرب.

 


كريمة بعد 20 عام

كريمة التي هجرت بلادها منذ عشرين عام، واستقرت في باريس، تتلقى اتصالاً هاتفياً من أمها تطلب منها العودة، كمحاولة أخيرة لإنقاذ أخيها الأصغر (مراد)، المعتقل الآن، والذي يواجه الإعدام، لما قام به من جرائم ضد الأبرياء، هو وبعض المتشددين. تتذكر كريمة الأخ المُسالم في ما مضى، وكيف أن قسوة الأب هي التي أودت به إلى هذا المصير. الأب الذي يرقد بإحدى المستشفيات، وتتردد كريمة في زيارته، ولكنها تسارع بالوصول لزيارة أخيها لتكتشف الفاجعة. يُلاحظ أن الأب صاحب السلطة القاسية يُعد من جيل ثوار التحرير، هذا الجيل الذي خلص البلاد من سلطة المستعمر، ليحل هو محلها، وينتج عن خلاله جيل آخر متشدد، يحاول نسف كل مكاسب الثورة ومظاهرها المادية الحضارية، وهو الفخ الذي تسقط به معظم الثورات الكبيرة، وقد ألمح الفيلم بذكاء إلى هذا الجيل، وأنه الآن ــ كرد فعل أقسى ــ يرقد محتضراً في غيبوبة، ولا يستحق حتى الزيارة.

 بلاد الكُفار

 وبعد معاناة تصل كريمة إلى أخيها، وكحالة كل المتشددين، تندهش بأنها لم تعد تعرف الشخص الذي تحادثه، فهو يصفها بأنها باعت دينها في بلاد الكفار، وهي تريد أن تعرف منه السبب الذي يجعله يقتل آخر مثله، وتنهار في النهاية عندما يبوح لها برسالته في الحياة، بعدما رفض التوقيع على وثيقة يتخلى بمقتضاها عن العنف مقابل الإفراج عنه، كل ذلك في سبيل "تحرير البلاد من أعداء الله"، وهم بالطبع أبناء الوطن الذي يخالفون متأسلمينه في الرأي!

ماضيّ مرسوم فوق ساقي

جيل كريمة الذي فرّ من روائح البارود والموت، ظن أن تاريخه سيهجره، بمجرد هجرة الجسد، ولكن إحدى قريبتها الشابات (سامية)، التي تمثل الجيل الجديد، توضح الأمر لكريمة، التي ترفض المشاركة في مظاهرة للنساء، يحاولن خلالها المطالبة بحقوقهن، وتصر على عدم الفائدة من بلد لا رجاء منه، وتحاول إقناع سامية بالهجرة، لكن الأخيرة ترفض، وتجد معنى وجودها في مواصلة النضال. وفي مشهد جيد تحاول سامية أن تشرح لكريمة وجهة نظرها في الماضي الذي يلازم صاحبة ... تكشف سامية عن ساقيها التي ألقى عليها متشدد ماء النار لأنها ارتدت جوب قصيرة. فغير المحجبات مستهدفات على الدوام، لذا لم تعد تستغرب كريمة من رؤيتها ابنة أخيها ــ التي لم تتجاوز الخامسة ــ مُحجبة.

حلم الحرية من جديد

تقوم كريمة بزيارة أخيرة لأخيها، مصطحبة زوجته وابنته الطفلة، ويكون (مراد) قد وقع بالفعل على وثيقة نبذ العنف، ولكن لهدف آخر هو اللحاق بالمجاهدين في الجبال. هؤلاء أنفسهم هم مَن قاموا برمي السيارة بالرصاص، وهم في رحلة العودة من الزيارة، لتسقط زوجة مراد قتيلة برصاصات أصدقاء زوجها، وتعود كريمة بمفردها مع ابنة أخيها الطفلة، لينتهي بعدها الفيلم بمظاهرة للنساء، لم تتردد كريمة هذه المرّة بالمشاركة فيها، حاملة ابنة أخيها وسط هتافات النساء ... "الجزائر حرة .. ديمقراطية".

قراءة في كتاب ... "التيارات السياسية في إيران"


سيظل الوضع السياسي والإقليمي لدولة مثل إيران مثار جدل كبير، سواء بالنسبة لدول الشرق الأوسط، أو الغرب. إيران التي اتخذت من الإسلام دينها الرسمي، ورفضت لغته العربية، وبعد الثورة الإيرانية أصبحت دولة دينية، لايماثلها في العالم سوى إسرائيل! والسؤال هو .. أين تقف التيارات السياسية في إيران من هذا النظام؟ أين كانت قبل الثورة وماذا أصبحت؟ هذا التساؤل هو ما دار حوله كتاب "التيارات السياسية في إيران" لمؤلفته فاطمة الصمادي، والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو بحث أكاديمي مُحكَم، تناول وضع هذه التيارات وتحول خطابها في ظل ثورة دينية غيّرت من وجه إيران تماماً، وكأن ما كان قبل العام 1979 قد أصبح من الأساطير.




حُراس التقاليد وسلطة التحديث

تبدأ المؤلفة بحثها بمراجعة تاريخية للأوضاع السياسية والاجتماعية قبل الثورة الإيرانية، لنجد أن صراعاً مزمناً كان قائماً بين رجال الدين بصفتهم الحارس للتقاليد الإسلامية، وبين الطبقة الحاكمة باعتبارها القائمة على التحديث السياسي والاجتماعي، الأمر الذي قاد إلى فجوة عميقة بين التوجه نحو الدين والتوجه نحو الدنيا. إضافة إلى مواجهة أخرى قائمة على الدوام بين القوى الأصولية والتقليدية من جهة والقوى الإصلاحية من جهة أخرى، والمتمثلة بالأساس في التيارات الماركسية، التي تم القضاء عليها وتصفيتها بعد استتباب الأمر لسلطة رجال الدين، وقد تم استغلال التيارات السياسية اليسارية في البداية مثل التيار الماركسي (حزب تودة) والتيار اليساري الإسلامي (مجاهدو خلق)، لمواجهة الولايات المتحدة والغرب كحلفاء لآخر حاكم من أسرة بهلوي. والذي قامت سياسته على تقسيم المجتمع الإيراني إلى قسمين، فوضعت الطبقات والقوى التقليدية في مواجهة مع القوى الاجتماعية الجديدة، ليحدث الصدام بين قوى السوق التقليدية ورجال الدين والعشائر من جهة، وبين القوى الاجتماعية الحديثة المدعومة من الشاه من جهة أخرى.

مع ملاحظة أن هذه الصراعات لم تكن قاصرة فقط على الطبقات الاجتماعية، بل امتدت إلى الدين والدولة، وإلى المذاهب والطوائف، والأعراق والقوميات واللغة، خاصة في مجتمع يُقسّم عرقياً ولغوياً إلى ست مجموعات .. الناطقون بالفارسية (50%)، الأذريون الترك (23%)، الأكراد (11%)، العرب (5%)، البلوش (3%)، التركمان (3%).

 
ولاية الفقيه وهشاشة الدور الحزبي

ترى المؤلفة أن المشهد الحزبي في إيران بصورة عامة اتسم بالضعف والانقسام، مما جعلها تفقد مصداقيتها بالنسبة لعامة الناس، وكذلك لعدم قدرة أي منها على إيجاد التغيير الاجتماعي المنشود. كما أن المجتمع الإيراني منقسم بين الاتجاه المطالب بالديمقراطية والتعددية واتجاه متمسك بالأحادية والتبعية في سبيل تحقيق الاستقرار.

وقد ساعد في هذا الموقف المسألة المزمنة الدائرة حول "ولاية الفقيه" فالجدل بشأن ولاية الفقيه رافق الثورة الإيرانية منذ بدايتها، وأن التيار الإصلاحي يرى في الخميني ولياً فقيهاً وليس في من سيخلفه، إضافة إلى وجود اتجاهات مناهضة داخل إيران يمثلها "المستنيرون" تدعو إلى فصل الدين عن السياسية. من ناحية أخرى ومن المنطلق نفسه نجد أن التيار الأصولي هو وليد تيار اليمين الإيراني، ويلتزم هذا التيار ولاية الفقيه المطلقة ويؤمن بدور أكبر للدين في السياسة وبدور في حدّه الأدنى لتدخل الدولة في الاقتصاد، والتحول الذي شهده هذا التيار مع وفاة الخميني يكمن في الاستعداد للتحاور مع الولايات المتحدة. أما تيار الإصلاحيين فقد غاب عن المشهد السياسي الإيراني وذلك بفعل سياسة الإقصاء، والفشل في وضع خطاب إصلاحي موحد.

 
الحركة الخضراء والتيار النجادي

"الحركة الخضراء" التي شهدتها إيران عقب الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009 والتي جددت ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد، لم تكن امتداداً للحركة الإصلاحية الإيرانية، ولكنها ــ حسب المؤلفة ــ جاءت في إطار المخطط الخارجي لدعم "ثورة مخملية"، والقيام بـما يسمى "إسقاط ناعم" للنظام الإيراني.

وبينما تتشابه الحركة الخضراء والتيار النجادي في كونهما يأتيان خارج تصنيف اليمين واليسار، وكذلك خارج الأصولية والإصلاحية، كما يستند كل منهما إلى قاعدة شبابية قوية، إلا أن التيار النجادي يُعد تياراً مستقلاً عن التيار الأصولي الإيراني، والدليل على ذلك هو كيفية مجيء نجاد إلي كرسي الرئاسة وخلافه مع هاشمي رفسنجاني وقضية العدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد، والخطاب المهدوي، إذ يعتبر نجاد أن وظيفته تكمن في تهيئة الأرضية لظهور "المهدي المنتظر".

وهذا بدوره يُفسر العداء بين نجاد ورجال الدين، وخلافه مع التيار الأصولي بشأن السياسة الاقتصادية والعلاقة المضطربة بأميركا، لنشهد بعد ذلك التحول الذي طرأ على الخطاب النجادي، من خطاب إسلامي الصبغة إلى خطاب قومي إيراني، موظِفاً التاريخ والحضارة الفارسية في فترة ما قبل الإسلام بصورة أغضبت رجال الدين كما لم يحدث من قبل. ليصبح لنجاد تياراً سياسياً ذو ملامح خاصة يمكن أن تطلق عليه تسمية "تيار العدالة". وهذا التيار لا يعير الديمقراطية اهتماماً جدياً، ولا يروج للدولة الديمقراطية، بل يدعو إلى الدولة الدينية كنموذج للحكم في مواجهة النموذج الغربي للدولة!

السبت، يونيو 22، 2013

عن فيلم ... أندرومان من دم وفحم


رغم الانفتاح الظاهري لشعوب الشرق، ومحاولة التحايل على الحداثة التي يصر البعض على أنها انتقلت إلينا منذ زمن بعيد، إلا أن الممارسات الظاهرية لهذه الحداثة تنفيها دوماً تقاليد بالية تمتد بجذورها في روح وفكر ومعتقد هذه المجتمعات، منذ أن انتهجت السلطة الذكورية عنواناً لها. فلا الأديان في شكلها النقي استطاعت حل المشكلة، خاصة وقد تحولت على يد رجال الفقه إلى سجون أخرى من التقاليد والأعراف تؤصل لهذه السلطة الذكورية، ولم تزل تحاول جاهدة نفي الأنثى من الوجود، ومداراتها كعورة، رغم الطقس الاحتفالي الذي يقيمه الذكر لأنثاه في الظلام فقط!

لذا ليس بمستغرب أن يأتي أول فيلم روائي طويل للمخرج المغربي وكاتب سيناريو الفيلم "عز العرب العلوي" بأن يُعيد في سرد سينمائي متزن أسطورة مغربية قديمة تؤكد الوضع المأسوي للمرأة، الذي يعكس بدوره وضعاً اجتماعياً واقتصادياً أشد قسوة ومأساوية. وجاءت المعالجة السينمائية لهذه الأسطورة تحت اسم "أندرومان من دم وفحم" بعيداً عن العبارات الإيديولوجية، والرطانة الفارغة التي تعتمدها الكثير من الأفلام عند مناقشتها لمثل هذه القضايا، إضافة إلى الابتعاد عن سذاجة الجولات السياحية والخطاب المتشنج، الذي نراه في معظم الأفلام العربية التي تحاول عمل سينما بمقاييس ترضي الغرب، الذي لم يزل لا يرى في الشرق سوى وجوه الحريم المُحتجبة ورغباتهن الأشد غموضاً واحتجاباً.



جليلة تلمسي في لقطة من الفيلم
 

إغفر لي ... إنها أنثى

"أندرومان" هو اسم شجرة بالأمازيغية وتحمله كذلك الابنة الكبرى لأب غارق في قسوته، يعمل في تجارة الفحم الخشبي في قرية بولمان النائية في أعالي قمم جبال الأطلس. وقد جرت العادة في هذه القرية، أن يمتهن الأبناء مهن آبائهم بهدف الحفاظ عليها لضمان استقرار الحياة اقتصادياً، فالإناث لا يتملكن الأراضي، وبالتالي سيضيع الإرث بين رجال القبيلة. هذا إلى بجانب الوضع الاجتماع المزري لمن تكن ذريته من الإناث. وتعلم "أوشن" الأب ــ قام بالدور محمد خيي ــ أصول هذه الحرفة عن أبيه الذي ذهب ضحية سقوط شجرة أندرومان في الغابة التي يكتسب منها قوته. وقبل أن يلفظ الأب أنفاسه الأخيرة يوصي بأن ينقل أوشن هذه الحرفة للطفل الذي على وشك المجيء، عندما تضع زوجته حملها، ولكن الطفل يأتي "أنثى"، ويخبر أوشن والده بأنها أنثى، ويرجو منه أن يسامحه على هذه الفعلة، لأنه قضى على حلمه الكبير في خلود وهمي مزعوم، فيوصي الأب ابنه بأن يُطلق على المولودة اسم "أندرومان"، ثم يلفظ أنفاسه، ليُكرر أوشن إن الطفل ذكر وسيصبح ذكراً كما أراد جثمان والده الذي يحتضنه وسط الدموع والأمطار، وأشجار الغابة العالية. ليتحول هذا الجسد إلى شبح يظهر لأوشن من حين لآخر، وكأنه ظل التقاليد الخائبة، التي تعيق الحياة، وتجعل منها خوفاً ورعباً مزمنين، وجحيماً لا يُطاق.


صمت الروح والجسد

تعيش الفتاة بعد ذلك ــ جسدت الدور جليلة تلمسي ــ حياة صامتة، وكأنها في مأتم متصل، تشيّع فيه ملامحها وإحساسها كامرأة، وقد انعكس هذا القهر غير المحتمل في ملامح وجهها المتجمدة، ونظراتها الميته، وملابسها الخشنة، التي تتفوق على ملابس رجال القرية، رداء من الخيش، حائل اللون، وكأنها تسير في كَفن. ربما بعض الابتسامات التي تتبادلها مع أختها الصغرى الطفلة "رقية". التي تعبث في ألعاب وحركات طفولية، وتفتح صندوق ملابس الأم المتوفاة، لتطالع الفتاة ملابس النساء ذات الألوان المُبهجة، والملمس الناعم، الذي يتناغم وأجسادهن، حتى تفاجئ بالأب، الذي يعاقبها على فعلتها، ويُعلقها داخل بئر سحيق طوال الليل، ويخرجها في الصباح وهي على شفة الموت، ويطلب منها أن تعترف بأنها ذكر، فتقر بذلك تحت وطأة الألم. لم يكتف الأب بذلك، بل أتم عملية تشويه الفتاة حتى نهايتها، فقام بقص شعرها تماماً، لتتجنب رعب النظر في المرآة، وتغطي رأسها حتى بينها وبين نفسها، كحالة تغريب كاملة عن الجسد الأنثوي ودلالاته. لكن مصادفة اكتشاف الأنوثة تأتي بسقوط الفتاة في الماء، فيرى جارها وصديقها ملابسها المُبتله لتفتضح تفاصيل خريطة جسدها. هذا الشاب سيصبح حبيبها فيما بعد، وسيقتله الأب نظراً لإشاعة تسربت في القرية بأن "أندرومان" يمارس اللواط، وللعجب يثأر الأب لهذه التهمة الشائنة، دون أن يفصح أنها أنثى! لتهرب الفتاة بعض الوقت فوق حصان حبيبها المقتول، بعدما ترك أصابع كفه الدامي على ظهر الحصان حتى يفر بعيداً عن هذه الأرض الملعونة.

 
ما بين أمل مرجو وواقع أسطوري

رغم أسطورة الحكاية، إلا أن المخرج أراد لهذا العمل أن يخرج عن نطاق الأساطير، فلم يحدد زمناً تدور فيه الأحداث، اللهم بعض المظاهر التي تدل على بدايات وصول سلطة الدولة إلى هذا المكان المجهول. كوصول ممثل الدولة وهو رجل عسكري، وموظف إداري لعمل بطاقات هوية للسكان، ولكن الهدف الحقيقي هو أخذ شباب القرية إلى التجنيد الإجباري أو الخدمة الوطنية كما يزعمون في مثل هذه المواقف، دفاعاً عن ماذا أو ضد ماذا، لا يهم! فما كان من صديق "أندرومان" إلا الهرب في منتصف الطريق، والعودة ليظل بجوار حبيبته، ليقول لها في صدق شديد إنه ليس بجبان أو خائف، وأن البقاء بجوارها وحمايتها هو في حقيقته أعظم شيء يستطيع أن يقدمه لوطنه.

الفيلم يزخر بالعديد من المشاهد الدالة غير المتكلفة، فأحد ساكني القرية، والذي لم يستطع إنجاب الذكور، حينما يدخل المقهى يجعلونه يجلس بجوار الصغار على الأرض، بخلاف الآخرين الذين يجتلسون مصطبة كبيرة مرتفعة. كما جاءت بعض المشاهد القاسية التي تكاد تتفوق على قسوة الطبيعة وقوتها ... كمشهد تعذيب أندرومان، والمشهد الشعري القاسي لموت "رقية" الأخت الصغرى، التي ماتت فوق أحد فروع الأشجار لتراقب الغابة بينما أبيها يواصل عمله، ماتت الطفلة المُنهكة وسط البرد والأمطار المتساقطة، ليكتشف الأب فعلته ويصرخ طالباً المغفرة من الله.
ويمتد إسقاط الأمل في المستقبل على واقع الأسطورة بأن تصل الفتاة لحظة دفن أختها، فتكشف عن كنهها أمام الجميع، وتتباهى بكونها أنثى، ليطارد والدها شبح أبيه ويظل بمفرده بين القبور، لتبدأ النسوة في تزيين الفتاة، ولترتدي زياً يليق بها، لتشع الحياة من عينيها للمرة الأولى، وبتشجيع نساء القرية وكأنها أصبحت أملهن الوحيد، تجري مسابقة بينها وبين أحد شباب القرية لتسليم القيادة الحائرة منذ زمن ــ التي كان مؤهل لها حبيبها ــ لتعتلي حصانه وتتغلب على الشخص الآخر وتخطف الراية المُعلقة، إشارة إلى بدء حياة جديدة، بلا خوف أو مواربة أو خجل من كونها أنثى.
 

الجمعة، يونيو 21، 2013

عن كل ما هو حتمي .. وغير ضروري

الأربعاء، تُؤ
الثلاثاء 28 مايو 2002.
كان من المفترض أن يحتل التاريخ الهجري جزءاً من الصفحة،
إلا أنها لم تعد تحتمل كدماغي/
دماغي التي كمتاهة، لا ترقى لمتاهات ألعاب الأطفال.
(آذان العصر)
المآذن تحيط المكان كقبضة،
مُرتّلة الآذان بطرق مُختلفة مُعظمها ينتمي لأنكر الأصوات،
وعبارة "أنكر الأصوات"
مُستمدّة رغماً عنّي من تراث لا أستطيع تحريكه.
مؤذن الجامع القريب من بيتنا في إشاراته الغامضة للفجر/
حيث البوق مُسلّط تجاهي لطالما أثار داخلي رعدة رعب،
حتى بعد مُحاولاتي إدراك معنى العبارات الملفوظة بصوته الكئيب،
الذي لا يستطيع أي إيقاع احتوائه!
هناك أشخاص يجب أن نتحدث عنهم بدلاً من تفاهة الحديث عن أنفسنا ..
صديقي فادي* مثلاً
والذي يصغرني في السن/
والذي يُحمّلني في بعض الأحيان مسئولية دخوله النار/
والذي هو بالمُصادفة خرج ليجد نفسه مسيحياً،
رغم تفاهة التقسيمات ووهميتها.
فادي
يُطالعه بوق آخر،
وكل جُمعه يصحو على أشد اللعنات التي تتوعده،
يشدّها صوت حميري آخر مكئوب
كان يضحك، وكذلك أنا/
لابد من الضحك ..
فالمباراة التي بين الشعب المُختار والأبناء الشرعيين
مهما كانت نتيجتها، فإنها تتنافى
ومصالح خير أمة أُخرِجَت للناس
!
فلابد وأن نضحك .. نضحك جداً.
.....
هناك قصة طالعتني في الجريدة المشابهة لكل المطبوعات المُبجّلة،
التي تتقيأ في دماغنا أفكاراً من الممكن أن تنتمي للدعارة/
مع الاعتذار الرسمي والجليل لمغزى الدعارة.
القصة آتية من أرض الكفاح والجهاد والأبطال
والشهداء و . . . و . . . .
فعن طريق العلم الحديث، وعن طريق الإنترنت
أصبح في إمكان المُناضلين المُكافِحين أن يخوضوا معاركهم أيضاً،
{وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة}
الولد كان ف الـ 17 من عُمره،
وعن طريق ما استطاعوا من قوة
تواصَلتْ معه فتاة من أرض النضال والدم الحار.
من الممكن إرسال بعض الأغنيات الدعائيّة المُعَبّرة لمعرفة طبيعة الأرض العظيمة،
وبعض التعليقات لمعرفة مسارات القضيّة المعلّقة على عضو صنم.
تمادت المُبجلة المُناضلة في الاتصال بالمغتَصِب المسكين،
فما كان من المسكين الأبله إلاّ الذهاب،
وما كان من الأهل المُناضلين للمُبجلة المُناضلة،
والذين يحجبون وجوههم، ويحملون الشعارات فوق جباههم وصدورهم إلاّ
برمي المغتَصب المرحوم بالرصاص، حتى يتاح له كيفما يشاء إراحة عضوه أبداً بين علامة
على شكل إصبعين مُنفرجين عن آخرهما.
هللت الصحف الرائعة بالعمليّة النضاليّة والمُبجلة المُجاهدة،
حتى أنهم أطلقوا عليها
لفظ أطلقوا ينتمي إلى قاموس الأرض العظيمة
(جميلة جديدة من أرض النضال).
ليس من الضروري وضع علامة تعجب،
فالعلامة اليتيمة الفقيرة لا تستطيع القيام بمُهمّتها في مواجهة
تلك الحادثة الخرافية الهامة الجليلة والمقدسة.
ويكفي ..
أن فأراً مذعوراً، محبوساً في مصيدة من رماد يهلل مُرتبكاً  
"نحن قوم جبارين"
مع ملاحظة أن القوم الجبارين حسب ديانة الفأر
يُطلق عليهم لفظ (الكَفَرَة)
إلاّ أنه يتعلل بحمل مسدس وزاوية حادة من إصبعين
ليكونا جواز مُروره في النضال
(نحن قوم جبارين)
لابد وأن نضحك … نضحك جداً.
من المُمكن كتابة شعار على غرار شعار المُرتَبِك المذعور
ليحتل  ــ وهي كلمة مؤلمة لبعض السفهاء منّا ــ المسافة التي بين
نضحك … نضحك
"فليتزفّر العالم/فليحيا الخراء"

.....
لنتحدث عن آخرين،
أهم من الحديث عن أنفسنا . .
الشاب الوسيم
وصوته الذي يحمل بصمات غنج امرأة تبدأ في مُضاجعة نفسها
البدلة/الكرافات/الذقن المنتوفة/الشارب لبيان النوع/
الوجه الذي يلمع/. . . ./. . . ./. . . ./. . . . . . .
صورة مُشرقة للدين الإسلامي الصالح لكل العصور.
والوسيم/
الذي أصبح يتصدر الصحف هو المعنى (المادي)
ــ آسف للإزعاج ــ  لكلمة (الصلاحية).
ووفقاً للآية الكريمة نفسها ..
{وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة}
كعامل حفز في التفاعلات السياسيّة، إذن ..
لا جلباب ولا ذقون ولا أصوات نكرة لا تستطيع ديسكات الكمبيوتر تحمّلها،
وذلك نظراً للخوف من بطش الجبار الأعور المُلقّب بالقطب الأوحد/
الذي يتلقّى لعنات أخف حدّة من صديقي كل جُمعه،
والذي يدور في فلكه .. عقالات/رايات حمراء/جلابيب/مطارق/
ملابس داخليّة، وأعضاء رخوة تحاول في يأس لمْس الأرض
قبل جباه أصحابها.
خرج الوسيم ليُحادث الصفوة، ولفظ (الصفوة)
ينتمي إلى التقسيمات الأكثر تأثيراً من تقسيمات أخرى
ترعب (فادي) المسكين.
خرج للصفوة، دون أن تنسى الطبقة الدنيا المُتطفّلة دوماً ــ ذات الرائحة الكريهة ــ التعلق بروائح المرحلة، خاصة بعدما استراح العجوز الثرثار جوار ربّه أخيراً، وبعدما منَح الأغبياء
صُكوك غفرانه، لتنتشر بعد ذلك العطور الخانقة/ كريح صرصرٍ ليست بعاتية تليق بأن يتعلق بها المُتطفلون المعاتيه، العطور الخانقة المُتسرّبة من أسفل بِدَلِهم (حُلَلِهم أو بذلاتهم أو بذاتهم،
حتى لا يُصاب أحد رعاة اللغة المقدّسة بالسكتة الدماغيّة)
وتتسرب من فساتينهن وتنانيرهن وجلابيبهن وخمورهن،
ليخرجوا جميعاً من ذكر وأنثى وولْدَان ليسوا بمخلدين/
يخرجون من شرنقاتهم،
ويدخلون أفواجاً في مدار الله.
فلابد وأن نضحك ... نضحك جداً.
. . . . . . . . .

جاءني الآن صديق قديم
على المقهى القديم، الذي اكتشفته سنة 1993، وأنا
بالسنة الأولى في كلية الحقوق، وقتها
كنتُ أظن أن كلية الحقوق هي الحل السحري حتى لا أقع
في جب الشرطة ودوريات التفتيش!
تحدثنا طويلاً .....
طويلاً جداً ...
أنا والصديق الميت،   
الذي جاء في أجازه من أداء الواجب الوطني
تحدثنا طويلاً ... لخمس دقائق/
طويلاً جداً
قلنا كل شيء في خمس دقائق/
فقط خمس دقائق/
قلنا فيها كل شيء ...
بَسْ.
....
لنتحدث عن آخرين
حتى يتاح لنا
أن نضحك ...
نضحك .. جداً.


* فادي الآن يعمل ويقيم بالمملكة العربية السعودية.

الحب إن شاء الله

الغرام الإسلامي على الطريقة الأميركية
 
يبدو أن الصِبغة الإسلامية أصبحت ترافق جميع الأنشطة الإنسانية، بداية من الطعام الحلال، مروراً بالماكياج الحلال، ووصولاً إلى الخمر الحلال. إلا أنها امتدت هذه المرّة لتصبح ظِلاً للعواطف والمشاعر، في محيط المسلمين ومَن يتعاملون معهم، حيث تتصدر الهوية الدينية الواجهة منذ البداية. وسيصبح الأمر أكثر إثارة إذا وضِعت امرأة مسلمة تحت مجهر البحث، لتتحدث عن إحساساتها وتجارب علاقاتها الحميمة، لتتسرب الدهشة من وراء حجابها أو نقابها، وتطالع الجميع الذين يردّوا قائلين ... رغم كونها مسلمة، فهي امرأة تتحدث عن مشاعرها وجسدها!

 
الحب ... إن شاء الله

ذاع صيت كتاب شبه أدبي، صدرت طبعته الرابعة منذ فترة في الولايات المتحدة، بعنوان "الحب إن شاء الله"، وهو عبارة عن مجموعة من حكايات 25 امرأة مسلمة أميركية، مقتبسة من اعترافات نساء مسلمات من مختف أنحاء الولايات المتحدة، ينحدرن من مختلف الأعراق الإسلامية، بداية من منطقة الشرق الأوسط، إلى بلدان آسيا، مرورا عبر دول شرق إفريقيا. والكتاب من عنوانه يبدو توافقياً إلى حدٍ كبير، ما بين لفظة "الحب" والمشيئة الإلهية، الدالة على الهوية الدينية. يسرد الكتاب حكايات هؤلاء النسوة المسلمات، داخل مجتمع متنوع الأعراق والأعراف، وعن كيفية التوفيق بين حيواتهن الخاصة وتعاليمهن الدينية في مناخ شديد التلون. بداية من وقوعهن في الحب، ووصولاً إلى نتائج متباينة كما يحدث في سائر مثل هذه العلاقات الإنسانية، التي لا تخضع لأية ديانة أو أفكار إيديولوجية موهومة. منها على سبيل المثال حكاية أنجيلا كولينز تيليس، البالغة من العمر 36 عاماً، والتي انخرطت في علاقة غير شرعية مع برازيلي مسيحي، قبل أن تتطور الأمور إيجاباً ــ من وجهة نظرها ــ عندما اعتنق هذا الأخير الإسلام عن قناعة، ليتزوجا وينجبا الأطفال.

وقد قامتا بتحرير الكتاب كل من عائشة ماتو/مستشارة تنمية دولية وكاتبة، ونورا مازنافي/محامية حقوق مدنية ومؤلفة، وكلتاهما أميركية المولد لمهاجرين مسلمين.

العالم الافتراضي ومحاولة تصحيح الصورة

نظراً للنجاح الكبير الذي حققه الكتاب، بعدما هللت له العديد من الصحف الأميركية الكبرى، سعت محررتا الكتاب إلى بناء مجتمع افتراضي عبر القراءات الشخصية وجلسات السكايب. وتقول المحررتان إن حوالي ثلث المشاركين في هذه الأحداث هم من غير المسلمين. "أخبرتنا امرأة أنها رأت بعد قراءة المجموعة القصصية امرأتان مسلمتان تلبسان النقاب، وأنها رأتهما للمرة الأولى على أنهما نساء لهن نفس الرغبات والمشاعر التي تملكها النساء جميعاً. لم تدرك حتى تلك اللحظة أنها كانت تراهُن كشيء مختلف، لا علاقة له قبل قراءة المجموعة القصصية ... فهذه الحكايات تسمح للناس من ديانات وخلفيات مختلفة التواصل عاطفياً مع المرأة المسلمة"

ويبدو من هذه العبارات أن المجتمع الأميركي يضع هؤلاء النساء موضع الإدانة من البداية، والتجهيل سواء بقصد أو بدون، وفقاً لما تفعله الميديا بعقول الشعب الأميركي. هذا من ناحية، أما الجهة الأخرى التي لا يستطيع العمل الفكاك منها، هو شعوره بالاتهام، وفرحه الطفولي الساذج أنه استطاع التخلص من الصورة المغلوطة لنساء تصادف وقوعهن في خانة الإسلام.


نغمة استشراقية أخرى

من الجيد أن يحكي الإنسان عن مشاعره صراحة، وهو ما يتطلب قدراً من الشجاعة والحرية، والتجارب الأدبية الغربية مثالاً لا يُنكر في هذا المجال، أما المدهش في الأمر أن التجارب العربية تسبق الغرب في هذا ــ قلنا تجارب حتى تنتفي المقارنة بين القيمة الأدبية لمثل هذه النوعية من الكتابة ــ بداية من شاعرات عربيات لحقن الجاهلية وعِشن في ظل الإسلام، وصولاً إلى عصرنا الحالي. ولكن الغرب دوماً ينظر إلى نساء الشرق في نمطية، توصف دوماً بالسخف، وهو ما يجعله يقع في تناقض سافر، لا تستطيع العقلية الغربية والأميركية خاصة تخطي عقباته. فالشرق دوماً هو المرأة الغامضة والمحجوبة ومصدر الرغبات والتجارب الجنسية الحافلة ــ كأداة ليس أكثر ــ ولكن اليوم وقد أضيف الإسلام إلى المعادلة، فأصبحت هذه المرأة مغلوبة على أمرها، لا تستطيع التعبير عن مشاعرها، وكأن وجهة النظر الاستشراقية قد سبقت الإسلام!
المسألة لا تعدو نموذجاً للمرأة المسلمة بوجهة نظر أميركية، وهو ما يجب أن تكون عليه بالنسبة لباقي النساء المسلمات، متعللين بأن هذه الحرية هي نتاج التربية والمزيد من الاستقلالية، حتى تتمكن المرأة المسلمة من النضال من أجل إحداث نوع من التوازن بين التقاليد الاجتماعية وخيارات الروح والجسد. تماماً كالاحتفاء الزائف إذا ما طالعنا اعترافات راهبات الأديرة وما شابه، وهو مأساة وضع الدين كواجهة قبل التعامل مع فعل إنساني ــ وجد قبل الأديان ــ وخاصة إذا كان من أرقى الأفعال ... وهو الحب.

 

Beau rivage


عن الفيلم الفرنسي ... Beau rivage

 



كمحاولة للسير على صراط ليس بمستقيم، يحاول بطل الفيلم "ميشيل/Daniel Duval" الوصول إلى لحظة من الصفاء والتوازن الروحي، هذه اللحظة أو الرحلة المرتبكة، هي حكاية فيلم Beau rivage وهو العمل الأول لمخرجه Julien Donada.

 

خيالات الوحدة الاختيارية

"ميشيل" ضابط شرطة تجاوز الخمسين من عمره، يحمل عبئاً لا يُطاق، يبدو على تصرفاته وسلوكه، بداية من هجره لعمله، وانقطاع علاقاته الاجتماعية، حتى عشيقته يبتعد عنها فجأة بدون أسباب تذكر. هناك حالة من القلق والاضطراب يحياها الرجل، ويبدأ شيئاً فشيئاً بالانسحاب من الواقع ليحيا في خيالات من الوحدة، تصبح فيما بعد أشد حضوراً وصدقاً من الواقع نفسه. يبدأ الرجل في البحث عن فتاة يؤكد له خياله دوماً أنها حبه الوحيد، وأنه التقاها وعاش معها حياة صادقة، يجد نفسه من خلالها في عالم متكامل ومتزن. وبالمصادفة يجد جثة فتاة، يلمحها من شرفة إحدى البنايات، فيعتقد أنها هي ــ فتاة حياته وسبيل خلاصه الوحيد ــ ويبدأ في البحث وراء هذه الجريمة، فبينما يؤكد له الجميع أنها انتحرت، إلا أنه يؤكد أنه يعرفها جيداً، ويقينه بأن هناك جريمة قتل. ليذهب إلى مراسم الدفن، ويلتقي بأسرتها وأصدقائها. فواقع الحكايات يؤكد له انتحارها لفشلها في قصة حب، بينما خياله يصوّر له عالم آخر، حيث يقابلها في منزلها، وفي الشرفة نفسها التي وجد جثتها بها، ليتصاعد إيقاعه الموهوم هذا وفق وتيرة الحكايات التي يسمعها عنها. صديقتها مثلاً تحكي أنها ــ الفتاة ــ حاولت الانتحار أكثر من مرّة، وكانت هذه النهاية متوقعة تماماً، ليصبح الرجل بعد ذلك في غرفة الفتاة، بينما هي تقف في الشرفة وتغلق النافذة الزجاجية، وحينما يهم بفتحها، محاولاً الحديث معها، تعتلي سور الشرفة وتحاول الانتحار حتى يكُف عن محاولاته.


 
عالم الحقائق الضالة

هناك حالة من عدم اليقين تسيطر على الفيلم، حالة من التشوش المتعمد، بحيث يختلط الواقعي بالخيالي، من خلال شخصية محورية تعاني تأزماً نفسياً مُربكاً، رسالة اللايقين هذه هي التي أراد العمل التعبير عنها، بداية من إيقاع نفسي يُخضع الأحداث والشخصيات الأخرى لوجهة نظر البطل، الذي لم يختر كاتب السيناريو مهنته كضابط بوليس اعتباطاً، رغم كون الجريمة هنا حدث هامشي، لكنه مبرر لرحلة بحث البطل عن نفسه/الفتاة/حبه الضائع. فالبطل ضابط شرطة حياته تسير وفق منهج صارم من الأدلة شبه اليقينية، يبدأ في البحث عن طريق خيالاته التي لا يؤمن بها سواه، والتي تتفوق على يقين الجميع في ما بعد! هذه هي أهم المفارقات التي تؤسس لتداخل العالمين ــ الواقع والخيال ــ وقد ساعد السيناريو وتكنيك الإخراج على الإيهام أكثر بعدم اليقين هذا والفصل بين العالمين، فلا يوجد أي نوع من التغريب عند الانتقال من مشهد ــ من المفترض أنه واقعي ــ يقوم أو يتواجد به الآخرون، وبين مشهد آخر يراه البطل من وجهة نظره، ويتفاعل معه، لا يوجد تغريب بداية من الأماكن، وصولاً إلى زاوية التصوير والإضاءة وحركة الكاميرا، وهو ما زاد الأمر تعقيداً وتداخلاً، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، ولا يمكن الوقوف على حقيقة أي منهما. ولعل مشهد الجنازة وحفل التأبين المعهود بواقعيته المفرطة، يُقابله جثمان الفتاة الذي أصبح داخل مَرمَدة، موضوعة بحجرة الفتاة في بيتها القديم، الذي يتوصل إليه ميشيل، ويقوم بسرقة الجسد المرمود، ليستردها شقيق الفتاة منه بعد ذلك، وينهره بأن يبتعد عنهم. ليأتي المشهد الأخير ليزيد الأمر حيرة وارتباكاً، ليصنع حالة ميتافيزيقية، حيث تقوم الأسرة بمراسم دفن أخرى كما تمناها ميشيل، بأن تلقي ذرات جسد الفتاة في البحر، وهو يقف منعزل عنهم، ليُلقي بنفسه في البحر بعد ذلك، ليختلط جسده بهذا الرماد، الذي تخلص من ثقل الجسد، ليطفو الرجل في هدوء غريب، وهو يبتسم ابتسامة الهدوء والسكينة، الذي كان يبحث عنهما طوال هذه الرحلة من البحث والكشف المُجهِد.

 
ما بين الواقع والخيال

المعروف عن مخرج الفيلم Julien Donada أنه مخرج ومنتج أفلام وثائقية في الأساس، ويُعد هذا الفيلم هو عمله الروائي الأول، وقد ظهر هذا التأثير بالفيلم، بداية من اختيار شخصية محورية تعيد صياغة الأحداث وفق منظورها الشخصي المعقد، ومنها كانت الكاميرا تتحرك وفق هذه الرؤية، وكأننا أمام شخصية يتم التوثيق لها من خلال الكاميرا، بداية بالأماكن التي تتردد عليها، وحجم الكادرات والقطعات في المشاهد الحوارية، التي تبدو فيها الكاميرا أكثر تحرراً، بخلاف المشاهد التأملية، بطيئة الإيقاع، التي تعبّر عن العزلة والوحدة التي يدور في فلكها بطل الفيلم. هذا بدوره يحيلنا إلى فكرة المزج ما بين الواقعي والتخييلي، وهي محاولة نجح المخرج في إيصال هذه الحالة، فلا يوجد ما يُسمى بالواقع في الأساس، فالتخييل هو الأصل، فحتى الفيلم الوثائقي ينتقي من الواقع ما يريده، وينفي ما عداه، وبالتالي أجاد الفيلم تخليق هذه الحالة من التشوش، لنسف فكرة الواقع والحقيقة بالتبعية. ونلحظ مفردات العمل التوثيقي المُتمثلة في فكرة البحث والتحري للوصول إلى نتائج، وكان المعادل للبحث عن النفس، هو الكشف عن فاعل جريمة قتل، ربما تكون حقيقية أو متخيلة بالكامل، إضافة إلى شكل الرحلة والتنقل عبر عدة أماكن، كان أكثرها وعوره تتم داخل خيال البطل، وتماهي هذه الخيالات بواقع موهوم، فالحكاية ما هي إلا معادل لفكرة فلسفية تنفي كل ما هو واقعي، وأن الواقع شيء وهمي، نخلقه ونصيغه ونتعامل معه من خلال أفكارنا فقط، ولكن الكثير لا يملكون شجاعة ميشيل ليعيشون واقعهم من خلال خيالاتهم، حتى وإن كانت أشد ثقلاً وقسوة من حقائق موهومة.

................

Beau rivage 2011 

Director: Julien Donada
Writer: Christian Paigneau
Stars: Daniel Duval, Chiara Caselli, Françoise Arnoul
 

الخميس، يونيو 20، 2013

عن "Amour" ماكيل هاينكه


 

 
لم يكن لدى الإنسان سوى تاريخ طويل من الألم، يحاول نسيانه في لحظات موهومة، لكنه في أفضل الأحوال يتعايش معه ويتقبله كمصير حتمي، يكلل تجربته بكاملها. أعمال "مايكل هانكه" تدور في مجملها حول طبيعة الألم الإنساني، وإن اتخذت أشكالاً عدة، أبرزها العنف الذي يواجهه الإنسان ويُعانية رغماً عنه في مصادفة غير قابلة للتفسير، لكن التعايش مع تجربة محكومة مُسبّقاً هو الذي يخلق المعنى لهذه التجربة، وليس فقط الاقتصار على نتائجها. هذا ما أكده "هانكه" في آخر أفلامه Amour، الحائز على سعفة كان الذهبية في دورته الفائتة، وأوسكار أفضل فيلم أجنبي لهذا العام.

الفيلم

يبدأ الفيلم باقتحام بيت من قِبل البوليس، بعد إبلاغ الجيران، ليكتشف الجميع جثة امرأة ملقاة في سريرها في فستانها الأزرق، وقد انتثرت حولها الزهور، وقد تحوّل لون وجهها إلى الأزرق الشاحب، دلالة على موتها منذ فترة. ثم ننتقل إلى الحكاية السابقة على هذا المشهد الافتتاحي، فالزوجان (جان لوي ترينتان وإيمانويل ريفا) في سن الشيخوخة يحضران حفلاً موسيقياً لأحد تلاميذ الزوجة، ويعودان إلى البيت والمرأة في غاية السعادة، وزوجها سعيد لرؤيتها هكذا، لكنهما يكتشفا أن أحد اللصوص قد دخل البيت، دون أن يسرق شيئاً!

بعدها تصاب الزوجة بجلطة دماغية تقعدها، ونعلم عن طريق حديث الرجل والابنة أن المرأة ستعود اليوم من المستشفى، وتعود بالفعل، وبمجرد أن تغادر كرسيها المتحرك، تطلب من الزوج بأن يعدها بالموت في البيت، ولا تذهب لأي مكان، وتحت إصرارها يستجيب الزوج. ويقوم بتمريضها بمفرده، رغم حالته الصحية السيئة، لتبدأ معاناتهما معاً، في ظل العزلة والمرض، وشبح الموت الذي يترصد حياتهما ــ لاحظ اللص الذي دخل المنزل في البداية دون أن يسرق شيئاً مادياً ــ تصاب المرأة بجلطة أخرى، فتسوء حالتها، بحيث لم تعد قادرة على مغادرة الفراش، وفقط تتلفظ كلمات مبتورة، معظمها مبهم، فقط ... يتردد صوتها الذي يسمعه الزوج في أي مكان بالبيت بكلمة "الألم" في صوت به من الأنين كأنه اللحن المستمر، تعزفه المرأة. وفي مشهد غاية في الرقة والقسوة ــ أحد ألعاب هانكه الشهيرة ــ صوت المرأة يلهث بكلمة "ألم"، بينما يحكي هو قصة ــ ربما مُختلقة ــ ليُشتت انتباهها عما تشعر به، وتصمت بالفعل وتتابع حكايته، وهي حكاية من حكايات الطفولة، حكاية مؤلمة لطفل بعيد عن أهله، ويود العودة بفارغ صبر ــ ربما حكاها الزوج ليُشتت انتباهه ويأخذ وقتاً لما انتواه ــ وفجأة يكتم الزوج أنفاس زوجته بالوسادة حتى تُسلم الروح وتستريح. نراه بعدها وهو يُحضّر الزهور، ويتخيّر لها فستاناً جميلاً، ويغلق الغرفة جيداً، ويجلس ليكتب لها الخطابات، ثم يستمع إلى صوت بالبيت، فينهض ليجدها وقد تهيأت لمغادرة البيت، وتدعوه لمصاحبتها، فيخرج معها ويغلق الباب. هذا المشهد التخييلي يأتي دون ادنى مقدمات، أو أي تغيير في الإضاءة أو زوايا الكاميرا ــ كتمهيدات مراهقي السينما ــ فالخيال والواقع في الحياة لا يستطيع أحد فصلهما عن الآخر. البيت خالٍ تماماً، والابنة تدخل وتفتح الباب بالمفتاح الذي امتلكته للمرّة الأولى، وتجلس بمفرها في فراغ وصمت مميت.

الأسلوب التقني

اعتمد هانكه على المكان الواحد ــ البيت ــ الذي دارت به أغلب أحداث الفيلم، إضافة إلى الإيقاع البطيء، بما يناسب حالة الزوج والزوجة، ونظامهما الصارم في تعاملهما مع مفردات المكان ... سواء تناول الطعام، قراءة الكتب، وعزف البيانو أو حتى الجلوس للمناقشة. إضافة إلى مشاهد اعتناء الزوج بزوجته .. إطعامها/عمل التدريبات العلاجية/تبديل ملابسها.

ولترسيخ هذه الحالة اعتمد على اللقطات الطويلة، التي قد تستغرق أكثر من دقيقة، لاكتشاف ما يدور في عقول الشخصيات، وطريقتهما في الحوار، وعلاقتهما، حيث لا يستطيع أحدهما مجرد التظاهر بالكذب على الآخر، تخفيفاً من وطأة جو المرض والموت الذي أصبح يخيم على المكان. هذا الهدوء تقابله حركات الابنة العصبية، التي تعاني من توتر العلاقة مع زوجها، رغم حبها الشديد له. المسألة بعيدة عن أي مسرحة للأحداث، وهو ما نجده في العديد من الأعمال السينمائية الساذجة التي تدور في مكان واحد. فالزمن الحقيقي للعجوزين يستعرضه المخرج للمشاهدين ببساطة وإيجاز مدهش. ومن خلال أضاءة المكان نكاد نشعر بزمن متدفق ــ زمن حياتهما ــ فلا يحده الفصل بين ليل ونهار إلا في مشاهد قليلة، فالأيام تتشابه ولا ضرورة لاختلاف الليل والنهار في هذه العزلة عن العالم، عزلة حبهما. حتى في المشهدين شبه المنفصلين عن السياق السردي (مشهد الحلم والتخيّل الذي كان بطلهما الزوج) فهما يحدثان في السياق الزمني نفسه، دون أي اختلاف، ونرى أنه زمن نفسي أكثر منه زمناً سردياً يعتمد اختلافات الوقت.

العنف والبحث عن معنى

تتمحور أعمال هانكه حول العنف الدائر أينما كان، وعدم محاولة الفكاك منه، فهو شرَك أبدي يُعانيه الإنسان، ونتيجته أن يصبح الألم هو المرادف للحياة بكاملها، دون أي فرصة للفرار أو الخلاص من هذا الألم، هذا هو المعنى الذي يُصيغه الإنسان خلال تجربته الحياتية، رغم كل المظاهر الفارغة، التي يحاول التحايل بها على حالته هذه، وكلما نضج وعيه ونضجت تجربته، يصبح غير مندهش بالمرّة من مأزق وجوده، وأن عليه مواجهة مصيره بكل شجاعة. صورة أخرى من صور التراجيديات اليونانية العظيمة، فآلهة الأولمب وصراعها الأبدي مع الإنسان أصبحت الآن تتخذ صورة الحروب والميديا وصياغة العقل والروح وتجربة الحياة بكاملها كيفما تريد. وفي Amour أصبح المرض هو الصورة الأخيرة التي لا يستطيع الإنسان الفكاك منها إلا بتجربة أبدية ــ إن كانت صادقة ــ تجربة لصيقة بروحه القلِقة اسمها "حب".
 

Argo ...

أميركا توثق لانتصاراتها على إيران تاريخياً!
 


فيلم Argo يحكي ويوثق لعملية ناجحة من عمليات المخابرات الأميركية، التي استطاعت إنقاذ 6 من الرهائن الأميركيين العاملين بالسفارة الأميركية من الأسر في طهران عام 1979 بعد أن اقتحمها الطلاب وقت الثورة الإسلامية، التي استتب لها الأمر، وحوّلت إيران إلى جحيم. ونظراً للتشاحن ــ الظاهري ــ بين الولايات المتحدة وإيران، فقد رآه البعض فيلماً إنسانياً، معادياً للفاشية الدينية، ونعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي لحصول الفيلم على أوسكار هذا العام.
الفيلم من بطولة وإخراج "بن أفليك".

الحكاية

مجموعة صغيرة من الطلبة الإيرانيين قامت في صباح 4 نوفمبر 1979 بالتجمع أمام مبنى السفارة الأميركية بطهران، للتظاهر والتنديد بسياسة الولايات المتحدة ضد إيران، وازدادت أعداد المتظاهرين، حتى وصل الأمر إلى قيام البعض بتسلق الجدران إلى الداخل، ثم قام حوالي 500 طالب إيراني باحتلال السفارة، واحتجاز جميع من كان بداخلها من الدبلوماسيين الأميركيين. إلا أن 6 من الدبلوماسيين العاملين بالسفارة بينهم الملحق الزراعي لجأوا إلى السفارة الكندية القريبة، ومكثوا بها تحت الحماية الرسمية. وهؤلاء هم الذى بنى عليه المخرج والممثل بن أفلك فيلمه مُركزاً على كيفية قيام عميل المخابرات المركزية الأميركية بالتنكّـر كمنتج ومصوّر سينمائي لتهريبهم، والعودة بهم إلى موطنهم.

فالرجل بالفعل استقدم معه مجموعة من الفنيين المحترفين في هوليوود، بهدف عمل فيلم وثائقي عن الحدث الكبير/الثورة الإيرانية، هذا العميل اسمه "تونى ميندز". ولم يتم الإعلان عن كيفية نجاح عملية تحرير الرهائن هذه إلا في وقت قريب جداً، كعادة الولايات المتحدة من اللعب بأوراقها في أوقات تخدم سياساتها، سواء تجاه الشعب الأميركي نفسه، أو شعوب العالم، ولم تزل تنتهج أميركا هذه السياسة ــ بغض النظر عن الحزب الحاكم ــ وإلا ماذا عن توقيت التخلص من "بن لادن" وهو صناعة أميركية، قبيل الانتخابات الرئاسية بوقت معقول 

كارتر وأوباما

القصة الحقيقية للفيلم دارت في عهد الرئيس الأميركي "جيمي كارتر"، وكانت سبباً في عدم انتخابه لولاية ثانية، وقد أعادت هذه الحكاية إلى الأذهان مواقف أوباما، التي يراها أعداء حزبه أنها مواقف رخوة ومترددة تجاه السياسات الإيرانية، فالجمهوريون يرون أن سياسة الولايات المتحدة حيال إيران  أثناء حكم كارتر كانت السبب فى المشكلة، ويؤكدون أنها نفس السياسة الآن، رغم اختلاف الظروف وخسارة أميركا الفادحة لحارسها ومنفذ سياساتها في المنطقة شاه إيران، كما يتلاعب الساسة دوماً ويوظفون التاريخ وفق مصالحهم، فالثورة الإسلامية، التي أطلق عليها إسلامية في ما بعد ــ نرجو ألا يحدث هذا في بلاد الربيع العربي ــ كانت تضم جميع التيارات والحركات الساسية المناهضة للولايات المتحدة، والتي كانت على خط العداء نفسه مع نظام الشاه القمعي، فهي ثورة شعب إيران، ولكن فئة فاشية هي التي سرقتها، وحوّلت الدولة إلى سجن كبير.

الرد الإيراني

كان لابد لإيران بالمشاركة الإعلامية، طالما أصبحت الميديا هي ساحة الصراع الفعلية، فجاء الرّد سريعاً، بأن هناك فيلماً يتم التحضير له الآن، سيدور عن سيطرة الطلبة الجامعيين السائرين على نهج الخميني ــ اختزل الفيلم باقي الثوار كعادة المتأسلمين ــ  على السفارة الأميركية بطهران، والتي تحولت إلى وكر للتجسس الأميركي على الثورة الاسلامية، ومحاولات الأميركيين تخليص محتجزيهم، وفشلهم الذريع كدولة تظن نفسها أكبر دولة في العالم، لكنها لا تستطيع حماية وإنقاذ رعاياها. هذا من وجهة النظر الإعلامية الإيرانية بالطبع! 

Django unchained لكوينتن تارانتينو ...

عودة إلى الويسترن والخيال الشعبي للتاريخ الأميركي
 



"جانجو طليقاً" إعادة لنوعية أفلام الويسترن، التي اشتهرت بها السينما الأميركية، بما أنها تصوّر حكايات من التاريخ الاجتماعي الأميركي، هذه النوعية التي خبَت الآن يستعيدها تارانتينو، ليحكي من خلالها الخيال الشعبي لهذا التاريخ، محاولاً التساؤل وجودياً ــ وهو سؤال افتراضي بما أننا نتحدث عن الخيال ــ لماذا لم يقم العبيد بثورة على تجار الرقيق؟ ولماذا انتظروا الحرب الأهلية التي انتهت بتحريرهم؟

 
العدالة على الطريقة الأميركية

تدور أحداث الفيلم في العام 1858، قبل عامين من الحرب الأهلية الأميركية. يقوم طبيب أسنان ألماني يدعى كينج شولتز (كريستوفر والتز) بتتبّع الخارجين على القانون، ليقتلهم ويحصل على المكافأة التي قررتها إدارة العدل الأميركي، فهو في النهاية يشبه تجار العبيد، لكنه يشبه أكثر ويتمثل رجال قانون ذلك العصر.

يبحث الطبيب عن (عبد) يعرف جيداً ثلاثة من الخارجين على القانون، يجده، ثم يعقد معه صفقة، بأن يقوم بإرشاده على مكانهم وشخصياتهم، ويعطيه الرجل حريته في النهاية. ويتم ذلك بالفعل، ويصبح العبد جانجو (جيمى فوكس) حراً. لكنه يريد تحرير زوجته، فتبدأ رحلة الطبيب وجانجو للبحث عن الزوجة، وفي طريقهما يقومان بصيد الخارجين على القانون وتحصيل أموال المكافآت التي لا تنتهي. حتى يصلا إلى مكان توجد به الزوجة، والتي تعمل لدى تاجر عبيد يمتلك من القسوة والذكاء بمقدار وسامة ملامحه كالفن كاندى (ليوناردو دى كابريو)، الذي لا يتورّع بقتل أحد عبيده بأن تأكله الكلاب حياً، لأنه حاول الهرب.

يحاول الطبيب وجانجو أن يصطنعا حكاية شراء عبيد أقوياء، حتى لا يبدو مقصدهم ظاهراً في شراء زوجة جانجو، كي لا يرفض كاندي، لكن خادمه العجوز ستيفن (صامويل جاكسون) يكتشف الخدعة، فهو عبد أسود، لكنه أشد قسوة وشراسه من سيده الأبيض. وتقوم معركة دامية ــ كمعظم معارك تارانتينو ــ يُقتل خلالها الطبيب، ويتم القبض على جانجو، لكنه يستطيع الهرب والعودة مرّة أخرى لتخليص زوجته برومهيلدا (كيرى واشنطن)، وتفجير قصر العبودية هذا بالديناميت، وكأنه ينهي فصلاً دموياً من تاريخ يود نسيانه.

حضارة الدماء

السؤال الهام الذي أثاره "تارانتينو" كما أسلفنا هو .. لماذا لم يثر العبيد الأفارقة على الرجل الأبيض في أميركا، لماذا لم يحاولوا ويناضلوا في سبيل ذلك؟ وهذا ما جعل من الفيلم الذي يتخذ نوعية الويسترن الشعبي مختلفاً عن أفلام الويسترن السابقة، التي دوماً كانت تحاول تحقيق العدالة عن طريق رجل القانون وصراعه ضد الخارجين عليه. يبحث تارانتينو من خلال إعادة صياغة التاريخ وفق هواه، من خلال صيغة التساؤل "ماذا لو حدث ذلك" فقصة العبد الذي تحرر لم تحدث كحقيقة تاريخية، وانتظر العبيد طويلاً حتى انتهت الحرب الأهلية، وصدور قانون رسمي بتحريرهم.

كما جسّد المظهر الدموي والانتقامي لرجل الأميركي من خلال شخصية "كالفن كاندي"، الذي يتلذذ بمشاهدة مصارعة العبيد، حتى يقضي أحدهما على الآخر تماماً، كما كان يحدث في العصر الروماني. إضافة إلى فلسفته التي شرحها لضيفيه "الطبيب وجانجو" بعدما اكتشف أنهما يخدعانه، فقام باستخراج جمجمة قال إنها لعجوز، كان خادماً له ولأبيه، الذي ورثه عن جده، هذا الخادم لم يفكر أبداً في الثورة على وضعه هذا، ويفسر كاندي السبب وهو يقوم باقتطاع جزء من جمجمة الرجل قائلاً "إن ثلاث نقاط محفورة فى جمجمته تثبت أن الجنس الأسود أكثر قابلية للخنوع من الرجل الأبيض، بينما النقاط الثلاث تتحول فى جماجم الجنس الأبيض إلى مناطق للإبداع والعبقرية كجاليليو مثلاً".

الرجل يفسر الأمر من وجهة نظر الإنثربولوجيا ــ المغلوطة بالطبع ــ ولكن ألم تكن هذه النظرة القديمة هي نفسها الآن وإن اختلفت وتحولت إلى نظرة سوسيولوجية ــ مغلوطة أيضاً ــ بحيث أصبح الأميركي ينظر إلى الآخر وكأنه من جنس أدنى، وكأنه قدره منذ ميلاده، دون أن يستطيع الفكاك منه؟! فالفيلم صراع بين فئة موهومة بمصادفة التفوق، مقابل أخرى تتغافل عن اكتشاف قوة روحها وعدالة قضيتها.