إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، سبتمبر 29، 2010

الذهنية العربية تحض على العنف!



«اللاهوت العربي وأصول العنف الديني» هو آخر مؤلفات د. يوسف زيدان، صاحب رواية "عزازيل" الشهيرة، ويتناول الكتاب الأصول التاريخية للأديان الثلاثة الكبرى، اليهودية والمسيحية والإسلام، وتداعيات وتأويل أصول هذه الديانات جغرافياً وتاريخياً. وجاء الكتاب بعد في مقدمة وسبعة فصول وخاتمة وفصل عن جدلية العلاقة بين الدين والعنف والسياسة، وهو الفصل الذي من المفترض أن يكون نتاجاً ختامياً لدراسة طويلة قد كُتبت من أجله.

ديانات رسالية واحدة
أكد زيدان في البداية أن الأصحَّ، إذا أردنا تمييز الديانات الثلاث المشهورة عن غيرها، أن نصفها بأنها ديانات رسالية أو (رسولية)، لأنها أتت إلى الناس برسالة من السماء، عبر رسول من الله أو نبي يدعو إليه تعالى، سواء جاء هذا الرسول بكتاب (موسى، محمد)، أو عوَّلت دعوته على كتاب سابق (عيسى)، فكان نبياً، فوصف الديانات الثلاث بالسماوية، هو وصفٌ غير دقيق. كما يرى المؤلف أن الديانات الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، هي في حقيقة أمرها ديانة واحدة ظهرت بتجليات عدة، عبر الزمان الممتد بعد النبي إبراهيم الملقب في الإسلام بأبي الأنبياء، والذي هو في المسيحية جَدُّ المسيح، فكانت نتيجة هذه المسيرة الطويلة هي تلك التجليات الثلاثة الكبرى الديانات التي تحفل كُلُّ ديانةٍ منها بصيغٍ اعتقاديه متعددة، نسميها المذاهبَ والفرق والنحل والطوائف.

ما بين المطلق والنسبي
يرى المؤلف أن هناك بعض الإشكاليات التي ظهرت في كل من الدين اليهودي والإسلامي، التي تختلف تماماً عما كانت عليه في الديانة المسيحية، خاصة الكنيسة المصرية ومذهبها الأرثوذكسي. فكل من الديانة اليهودية والإسلام جعلا الله متعالياً متسام، مفارقاً لمخلوقاته، بغض النظر عن شكل هذا الإله في الديانتين .. الدموي والغاضب والمخطئ لخلقه الإنسان، كما في التوراة، والمنتقم الجبار الرحمن الرحيم كما في الإسلام، ولكنه في كل الأحوال إله متعال، مُفارق. أما في المسيحية فالتصور المصري واليوناني للمسيحية ووفق الثالوث المصري القديم (إيزيس/أوزوريس/حورس) تم ببساطة أن يصبح هذا الثالوث هو (الآب  والابن والروح القدس) والبساطة هنا ليست مجرد الانتقال السلمي لهذه العبادة، بل لاستقراها في روح ووجدان هذه الشعوب والحضارات التي تقبل بهذه التعددية لصور الإله الواحد، هذا يُخالف ما كان يحدث في منطقة الشام والهلال الخصيب، هذه المنطقة العربية لها عقليتها وتاريخها وجغرافيتها، التي تضافرت العوامل لتجعلها غير قابلة لهذا التصور عن الإله، الإله المتعالي في السماء والمصلوب على الأرض، أي بين اللاهوت والناسوت (الابن أو الصورة البشرية للآب)، وبذلك ظهرت الحركات التي تنكر هذه التعددية وتنفيها عن الإله الواحد، والتي ترى أن المسيح ما هو إلا مبشر لهذا الإله، لا أكثر ولا أقل، وقد اتفق الآباء الأرثوذكس ان يُطلقوا على هؤلاء اسم (الهراطقة) وقد خاضت معهم الكنيسة ومع أتباعهم حروباً ضارية.

علم الكلام امتداداً للهرطقة

ويحاول المؤلف التمادي في شرح أفكاره، والتي تقصر اللاهوت العربي على منطقة جغرافية بعينها، فالهرطقة المسيحية بوجود إله مطلق لا مثيل ولا صور له، والعقلية العربية التي انتجت هذه الأفكار، والتي اعتبرتها الكنيسة المصرية هرطقات وإلحاد، لابد من محاربتها، هي نفسها في ظل الإسلام التي أنتجت علم الكلام، فعلم الكلام إذن لم يكن علماً جديداً أتى به المسلمون، بل هو امتداد للعقلية العربية المسيحية، التي دخلت الإسلام، والتي تماست وتداخلت معه جغرافياً
، وكان لهذا العلم أيضاً ضحاياه من المتكلمين المسلمين، في ظل سياسات الدولة الإسلامية وقتها، كما كانت سياسات الكنيسة المصرية وقتذاك، ومن هنا يبدأ السياسي أن يتداخل مع الديني، ويرافقه كظله، يُسايره أحياناً، ويقف ضده أحياناً أخرى، مما ينتج عنه جماعات وتجمعات تستظل بالدين، وتواجه المناخ السياسي بقوة قد تعادل قوة السلطة السياسية المهيمنة.

وكم من فئة قليلة ...

تبدأ الثورة على النظام السياسي المستقر في الأديان الثلاثة، من خلال الإنابة والخروج كما يقول المؤلف، فالله المتعالي في السماء، لابد من رسول يبلغ رسالته، وينوب عنه في هذا الإبلاغ، وبالتالي سيصطدم هذا الرسول أياً كان بنظام الدولة المستقر (الوثني) ومن خلال الأتباع القلائل، والأغلب فقراء ومهمشين في المجتمع، ويحلمون بآخرة تعوضهم عما يفتقدونه (ملكوت السموات كما في المسيحية، والجنة وما فيها بما لاعين رأت، ولا أذن سمعت) بخلاف الوعد الإلهي لليهود بالأرض التي من النيل إلى الفرات، هذه الإنابة والقدسية في تبليغ رسالة الله، يتبعها خروجاً للفئة المؤمنة، خروج موسى من مصر، وثورة المسيح عند هيكل الرّب، وخروج محمد إلى المدينة، والاستعداد لمواجهة السلطة السياسية المستقرة، والرّد بعنف أكبر، مما لاقوه من هذه السلطة، وبالطبع هناك دوماً الإله الحاضر، والمُبارك لهؤلاء وأفعالهم. وتمتد هذه الظاهرة المستقاة من التاريخ الديني على اختلافه، إلى جماعات العنف في العصر الحديث، كالقاعدة وماشابه ــ هكذا يُفسر المؤلف العنف المتأصل في الأديان ــ
لأن كل دين يرى في نفسه الصورة والتصور الصحيح والأوحد لما يجب أن يكون عليه العالم، وما حوار الأديان إلا شكلاً كاريكاتورياً يدعو إلى السخرية، ونرى أن المؤلف وفق تماماً في هذه النقطة، ولكنه ينافي الحقيقة التاريخية، حينما يقصر هذا الصراع على الأديان الرسالية فقط، وينفيها عن الوثنية التي سمحت بالتجاور والتحاور، فكم من صراعات سياسية ودموية منذ مصر الفرعونية، قامت لإعلاء ديانة عن أخرى، فآمون الذي صارع رع لفترة ليست بالقصيرة، حتى اتحدا معاً، وفقاً للمصالح السياسية العليا في البلاد، والتي لا شأن لها إلا بسلطة الكهنة، وسيطرتهم على الشعب! فحتى الديانات الوثنية كانت لها صراعاتها الدموية، فالعنف المستند إلى ديانة ما، أكثر خطورة ودواماً من العنف المستند إلى الأفكار، أو الإيدولوجيات.


خرافة العلمانية
وامتداداً لذك يرى المؤلف أنه لا يمكن تصوُّر الدين من دون سياسة، أو تصور سياسة بعيدة عند الدين، فارتباط العنف بالدين والسياسة هو كل مترابط، لا يمكن فصل بعضه عن بعض، ويعود إلى إرث ديني ولاهوتي عميق، فالعلمانية تعتبر خرافة كبيرة ــ وفق هذا التصوّر ــ
فالفكر  العلمانى غير رشيد وغير فلسفى، لأن الدين لا يمكن وجوده فى الواقع بعيداً عن السياسة، ولا يمكن تطوير سياسة واقعية فعلية بعيداً عن الدين، لأنها ــ العلمانية ــ تجافي الواقع والتاريخ والتراث الثقافي والمعرفي لأتباع الديانات الكبرى، ما دامت تعيش في جزر منعزلة. أما القول بالغرب المتقدم، والذي فصل الدين عن السياسة، فالحقيقة أن الغرب لم يفصل الدين عن السياسة بل فصل المذهبية الدينية عن السياسة.

بدايات تتنافى مع النتائج
بدأ د. زيدان بحثه بادعاء التجرد من الهوى الديني، واعتماد العقل وحده في هذا البحث، ولكنه من خلال الكتاب بصفحاته المائتين والثلاثين، وعبر فصوله السبعة، بخلاف المقدمة والخاتمة، والفصل الأخير المضاف للبحث في جدلية العنف والدين والسياسة، نجد المؤلف قد حاد عن هذا التجرد، في الكثير من المواقف، خاصة فيما يتعلق بالحديث عن الإسلام والنص القرآني فالحل القرآني لطبيعة المسيح، وصفه زيدان بأنه غير قابل للنقاش لأنه سماوي، فإما أن يقبل بالجملة أو يرفض بالجملة! وهناك بدايات ونقاط طالما تموهت خلال البحث وتفرعت، دون الإجابة عليها، حتى جاء الفصل الأخير المُضاف حول العنف والدين والسياسة، والذي تمت كتابته قبل سبع سنوات، وقدم في مؤتمر عُقد بطشقند، ليتحدث عن العنوان المتصدر الكتاب "العنف الديني" وكأن فصول الكتاب تمت كتابتها من أجل هذا الفصل أو البحث الأخير!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق