إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، نوفمبر 10، 2017

"الإيمان والقوة .. الدين والسياسة في الشرق الأوسط" ... الخطر الإسلامي ومحاولات تجاوزه




"إن القاعدة فى الولايات المتحدة هى استخدام المال للوصول إلى السلطة، أما فى الشرق الأوسط فإن القاعدة هى استخدام السلطة للوصول الى المال". برنارد لويس. لا تزال مؤلفات برنارد لويس (1916 ــ     ) تثير الكثير من الجدل، خاصة في العالم العربي، وهو المختص بقضاياه وتكوينه الاجتماعي والسياسي والديني. ولا نجد من ردود الفعل تجاه أفكار الرجل إلا وتتسم إما بالرفض الشديد أو التأييد، رغم منطقية الأفكار وترتيبها داخل سياق يرتضيه لويس نفسه، ويستحرج منه النتائج التي تضعها السياسة الأمريكية نصب أعينها، واعتمادها كتابات الرجل وأفكاره في تأصيل وجهة نظرها للشرق الأوسط أو العالم الإسلامي بمعنى أدق. هذه الأفكار التي تتأكد من خلال مؤلفه المعنون بـ "الإيمان والقوة .. الدين والسياسة في الشرق الأوسط"، الذي صدر بالإنجليزية في العام 2010، وترجمه مؤخراً للعربية أشرف كيلاني، والصادر عن المركز القومي بالقاهرة ودار الكتاب العربي في 240 صفحة. وسنحاول استعراض بعض ما جاء من أفكار في هذا الكتاب الهام، والذي كان من المفترض ترجمته للعربية منذ صدوره.

الإسلام والدولة

يشير برنارد لويس بداية إلى أن مفهوم الدولة تأسس من خلال نشأة الديانة المسيحية، حسب مقولة السيد المسيح بإعطاء "مال قيصر لقيصر ومال الله لله". هنا تبدو كل من السلطة المتمايزة عن الأخرى، والتلازم المزمن بينهما، سواء في حالة صراع أو جوار. أما في الإسلام فلم يكن هذا المبدأ له معنى بالأساس، فالتواجد بين المؤسستين حديثاً أصبح من الصعوبة الفصل بينهما، رغم مظاهر هذا الفصل، فالواقع والممارسات الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية لا توحي بالتفريق بين الدين والدولة. ويعقد لويس مقارنته ما بين الإسلام والمسيحية، فقد أسس رسول الإسلام الدولة خلال حياته، وفعل ما يفعله رجال الدولة، فقاد الجيوش وشن الحرب، وعقد المعاهدات وجمع الضرائب/الصدقات، وأقام العدل وهكذا، بينما في حالة المسيحية .. فالذاكرة تحوي قروناً من الاضطهاد والاستشهاد، إنتهاء بالاستيلاء على الدولة، فالذكريات الإسلامية تحوي تطابقاً تاماً بين الإيمان والقوة خلال حياة المؤسس. ورغم المؤثرات الخارجية لتغيير هذا المفهوم، إلا أنه تم مواجهتها من تشكيك في مصداقيها وإضعافها، وأصبحت هذه الأفكار لا يقول بها سوى نخبة صغيرة مغتربة في هذه المتجتمعات، وبذلك وفي حالة رد الفعل كان لابد من العودة إلى المفاهيم الأقدم والأعمق جذوراً.

الآثمون

ويرى برنارد لويس أن التعاليم الإسلامية تحرّم فعل الانتحار، وبالتالي لا يجب الربط ما بين الإسلام والعمليات الانتحارية الإرهابية، والقائمون بهذه العمليات لا يفسرون دينهم تفسيراً صحيحاً، فحالة الاستشهاد ونيل الشهادة يتحقق في حالة الدفاع عن النفس والأرض، دون حالات الهجوم على الغير ــ هنا تتفاوت نظرة لويس ولا يذكر الحقائق كاملة حتى يتفرغ لما هو أهم ولمواصلة فكره حتى نهايتها، فحالات الهجوم و(الغزو) في الإسلام، أو ما اصطلح على تسميته بـ (الفتح) لم يكن بدافع اتقاء الخطر، ولكن ضمن مفهوم دار الإسلام ودار الحرب، إضافة إلى الظرف التاريخي وقوة الوجود الإسلامي وقتها، ككيان ديني ــ ويلفت برنارد إلى طبيعة الجهاد الإسلامي ــ وقت الغزوات ــ حيث تتوافق مبادئ الشريعة وقواعدها وقوانين الحروب، من حيث معاملة المدنيين التي يجب الالتزام بها، كتحريم تعذيب الأسرى وعدم الإساءة إلى النساء والشيوخ والأطفال. لكن أيضاً التجارب المتواترة لتلك الغزوات تنفي إلى حد كبير مقولات لويس البراقة في ظاهرها.

استهداف الحضارة الغربية

وبداية من التوسع الإسلامي، فإن سياسات الغزو لم تتوقف شرقاً وغرباً، لبنان وسوريا والأردن وفلسطين حتى مصر، مروراً ببلاد المغرب الموسومة بالنغرب العربي في ما بعد،وانتهاء بفرض سيطرتهم على إسبانيا، حتى نجاح الغرب المسيحي بعد عدة قرون في إزاحة الغزو العربي واسترداد هذه المنطقة من أوروبا ــ يبدو مدى الفصام العربي هنا في التباكي على ما يسمونه الحضارة العربية، وهو ما يعرف في الأدبيات السياسية والروائية بضياع غرناطة، وانحسار المد الإسلامي! ــ ثم نأتي إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وظهور الدولة العثمانية إسلامية الديانة، وممثلة الإسلام وقتها، عندما حاصرت فيينا، ونجح الغرب المسيحي أيضاً في ردهم. وفي الحالتين السابقتين كانت هناك مظاهر للقوة وظروف تاريخية واجتماعية أدت إلى محاولات اتساع الجغرافية ذات الطابع الإسلامي، ولكن ماذا عن مرحلة الضعف؟

اليائسون

مأزق الجيل الجديد من الإسلاميين يتجلى في المفارقة بين ما كان وما هو كائن، بين مجد غابر لا يستطيعون تصديق عدم عودته، ولا يريدون الاعتراف بعلمية التعاقب الحضاري وأطوار التاريخ، لذا كان اللجوء إلى محاولات اليأس، الي يراها لويس في موجات الهجرات من البلاد الإسلامية إلى أوروبا، ويطلق عليها (الهجمة الثالثة)، هذا الانتقال ليس تسليماً بالارتحال من جغرافيا إلى أخرى، فلم يستطع المسلمون تحقيه بالحرب والغزو، يسعون إليه اليوم من خلال هجراتهم الجماعية، والتي أسفرت عن خلخلة خطيرة، ديموغرافية وسياسية ودينية في المجتمعات الأوروبية التي حلّوا فيها.

ديمقراطيات متباينة

ينتقل برنارد لويس إلى مناقشة فكرة الديمقراطية ومفهومها في العالم العربي، وهل تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي أم لا. فينفي عن تلك الدولة التي نشأت في كنف الدين مبدأ الطبقية، ومُسمى السلطات الزمنية. فلا فضل لأحد إلا بالتقوى، ولكن يظل دوماً الفارق ما بين التعاليم والنصوص وما بين الوقائع، فبداية من الخليفة وأمير المؤمنين وصولاً إلى جلالة الملك والأمير والسيد الرئيس، لم تغير الأمر إلا بتغير المُسميات فقط، وما شهده التاريخ من حالات تحققت العدالة والمساواة خلالها، تبدو قاصرة على طبيعة الشخصيات الحاكمة، دون أدنى استناد إلى فكرة أو قواعد قانونية أو أعراف تنتظم من خلالها طريقة عمل وأداء السلطة الحاكمة. ويذكر لويس مفهومه لطبيعة نظم المنطقة السياسية، ويصفها بأنها "الديكتاتوريات الشرق أوسطية"، التي تحتاج دوماً إلى الحروب من أجل تبرير وجودها واستمرارها. لكن المؤلف لا يذكر كيفية نشوء وتعاظم دور هذه الديكتاتوريات وقمعها لشعوبها، وكيف ساعد الغرب هذه الأنظمة، يؤمن لويس بديمقراطيات الغرب وضرورة مساعدة هذه الدول الموبوءة حتى تتنفس نسائم الديمقراطية، وإلا لن ينجو الغرب من تبعات هذا القمع الشرقي.

صراط المحاولات

وفي الأخير يبدو التساؤل المنطقي في إمكانية تحرير هذه الشعوب، وهل من الممكن نقل الحرية الغربية إليها؟ ورغم اعتراف برنارد لويس بالوضع الشائك والمضطرب الآن، لأن هذه الحرية المستوردة محفوفة بمخاطر عدة، فهنام الشعور المتأصل بمعاداة الغرب، لأنه المؤيد للنظم الديكتاتورية الشرقية، ويرى المفارقة في تأييد الشعوب لأمريكا في حال معاداة نظامها السياسي، وإيران المثال المتوفر بالطبع. فالحل وإن كان صعباً ويستغرق وقتاً طويلاً هو الاستمرار والمساعدة في تطوير المؤسسات الحرة، رغم القوى الداخلية التي تعمل بكل طاقتها ضد هذه المؤسسات، فالمحاولة صعبة ــ حسب رأيه ــ ونتيجتها غير مؤكدة، ويختتم بعبارته الدالة .. "إما أن نأتي إليهم بالحرية أو أن يدمرونا".


برنارد لويس


الكتاب: الإيمان والقوة .. الدين والسياسة في الشرق الأوسط
المؤلف: برنارد لويس
ترجمة: أشرف كيلاني
الناشر: المركز القومي للترجمة ودار الكتاب العربي 2017.


*نشر بالقدس العربي في 14 مايو 2017.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق