إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، نوفمبر 06، 2017

"داعش" وحركة البعث الديني ... تنظيم من مخلفات حزب البعث يتوسل بتراث الجهاد التكفيري!




قد تبدو المفارقة واضحة بين تنظيم يسير على صراط مستقيم من تراث حركات الجهاد التكفيرية، التي يحفل بها التاريخ الإسلامي، وبين طبيعته من خلال تأسيسه عبر بقايا قادة حزب البعث العراقي. الذين وجدوا ضالتهم في خطاب إسلامي قادر على استقطاب العديد من أعضاء وجنود هذا التنظيم. سنستعرض في البداية الجذور الفكرية التي يوهم بالاستناد إليها، والتي وجد ضالته في منهاجها المتواتر، ثم نتطرق إلى كتاب صدر حديثاً يحاول توضيح الصورة أكثر، كاشفاً كيفية نشأته وطبيعته وأهدافه. الكتاب للصحافي الألماني "كريستوف رويتر" وجاء تحت عنوان "السُلطة السوداء ... الدولة الإسلامية واستراتيجية الإرهاب". والذي يتوصل من خلاله إلى أن التنظيم يعود في نشأته إلى ضباط بعثيين من أتباع صدام حسين، خاصة العقل المدبر "حجي بكر"، الذي كان ضابطاً رفيعاً في مخابرات سلاح الجو العراقي. واعتمد الكاتب ــ الذي عمل في الشرق الأوسط لأكثر من ربع قرن ــ على العديد من الوثائق التي حصل عليها من مقاتلي المعارضة السورية بعد قتلهم حجي بكر في منطقة "تل رفعت" شمال حلب في يناير العام 2014. إضافة إلى شهادات أعضاء سابقين في التنظيم نفسه.

سقوط الأيدولوجيا
يعتبر تنظيم داعش من أعنف التنظيمات الجهادية والتكفيرية في تاريخ الحركات الدينية، ورغم أن التاريخ الإسلامي يشهد العديد من التنظيمات التي حاولت فرض توجهاتها وفكرها بالقوة، إلا أن الأمر في تنظيم داعش يختلف، ذلك لأنه من البداية يعتمد على الاستقطاب الطائفي قبل الأيديولوجي، إضافة إلى لغة الإرهاب التي لا يعرف سواها، في سبيل تحقيق حلم واهن هو عودة الخلافة وإقامتها على الأراضي العربية. إلا أن اللافت هو وجود جذور فكرية وحوادث سابقة استند إليها التنظيم، فلديه ميراث طويل من الفكر التكفيري والجهادي في تاريخ الإسلام كان من السهل العثور عليه دون مشقة، سعياً وراء هدف سياسي وبسط نفوذ سلطة سياسية لا شك فيها.

الإيهام بنهج تراث التكفير

كعادة الحركات والتنظيمات المتطرفة والمتشددة، هناك سوابق وأفكار يتبنونها، تعضد من الهدف السياسي الذي يسعون إلى تحقيقه. والبعض يرجع ذلك إلى الفرقة الرافضة للتحكيم بين علي ومعاوية، والخروج عليهما، خاصة بعد انتهاء حُكم الخلافة، وتأسيس النظام الملكي الوراثي في الإسلام. وبالتالي فهم ينتمون إلى ما يسمون أنفسهم بالخوارج. هذا الفكر من ناحية أخرى سيجد أساسه الفقهي أو التأسيس له من خلال المذهب الحنبلي، نسبة لأحمد بن حنبل أحد أئمة المذاهب الأربعة، هذا المذهب الذي تمسك بظاهر وحرفية النص، وابتعد تماماً عن التأويل.

من ابن حنبل إلى ابن عبد الوهاب

وسيأتي بعد ذلك ابن تيمية، الذي سيتخذ من فتاوى ابن حنبل مرجعاً لتبرير التشدد والتطرف، لكنه يتفوق عليه بأن تظل أفكاره حتى الآن بين مريديه حيّة، ومثار جدل كبير بين الفقهاء. وابن تيمية الموصوف بـ "شيخ الإسلام" هو صاحب التأثير الكبير على ما يُسمى بالـ "الصحوة الإسلامية" بمختلف تياراتها، خاصة السلفية الجهادية. وبعد ستة قرون ستأتي الحركة الوهابية بقيادة محمد بن عبد الوهاب، التي ستتخذ من ابن تيمية الأب الروحي لها، وما الوهابية إلا إحياء لدعوة ابن تيمية، والعودة بالناس إلى صحيح الدين، وتبني الجهاد كأسلوب لإقامة وتأسيس دولة الخلافة. ومن ناحية أخرى يتشابه تاريخ نشأة الوهابية مع ما تفعله داعش، من هدم للأضرحة وتنفيذ الإعدامات الجماعية، وإقامة ما يُعرف بالحدود دون قيد أو شروط. هذه هي الرؤية التي تحايل التنظيم ونشأ في ظلها، واهماً أتباعه بتبنيها والعمل من خلالها، وشاغلاً المُنظرين بالدوران في فلك المرجعيات والحوادث التاريخية، لكن الأمر في حقيقته حسب مؤلف كتاب "السُلطة السوداء ... الدولة الإسلامية واستراتيجية الإرهاب" يفضح تهافت هذه الأفكار، وكشف الكثير من المفارقات حول طبيعة التنظيم ودوره في إعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة.

البحث عن دولة

يسرد المؤلف في البداية أن تنظيم داعش ما هو إلا جهازاً استخباراتياً يسعى لإقامة دولة، ثم يورد قصة "حجي بكر" أو سمير عبد محمد الخليفاوي، الذي كان يعمل عميداً في مخابرات الدفاع الجوي العراقية قبل حلها، فهو المُخطِط الاستراتيجي للتنظيم، مُستعرضا العديد من الوثائق لمخططات وجدت في منزله في تل رفعت بعد مقتله على يد الثوار السوريين في يناير 2014. موضحاً أن جميع الأحداث التي تلت مقتله تؤكد تمسك التنظيم بتعليماته وخططه بشكل كامل. فالتنظيم إذاً وريثاً لأجهزة مخابرات نظام صدام حسين المنقضي، وأغلب ضباطه من البعثيين. وبما أن موجة البعث لم تعد كافية لجذب الأنصار والمتعاطفين، فكان تصدير التنظيم من خلال الخطاب الإسلامي، وذلك لإضفاء شرعية تاريخية ودينية على أعمال التنظيم، ومن ناحية أخرى الضمان له بالإمدادات المالية والبشرية اللازمة، وهذا يمنحهم شرعية لم يكن يتمتع بها حزب البعث قط، ذلك لأنهم سيستندون هكذا إلى تاريخ عمره ألف وأربعمائة عام وليس ستين عاماً فقط. فتنظيم الدولة الإسلامية لا يعود إلى فقهاء وعلماء مسلمين، بل إلى جنرالات وضباط استخبارات علمانيين في حزب البعث العراقي. ويوضح الرجل أكثر .. بأنه عندما قامت القوات الأمريكية بغزو العراق وأقدم رئيس الإدارة الأمريكية السابق في العراق بول بريمر على حل الجيش العراقي، حينها تمت تصفية العديد من ضباط الجيش العراقي، وتسريحهم، فانتقلوا إلى مقاومة قوات الولايات المتحدة، وذلك من خلال تأسيسهم ما يعرف باسم "كتائب البعث"، وهي التي مهدت الطريق إلى تنظم "الدولة الإسلامية". وما الشخصيات التي تتصدر المشهد، كالـ "البغدادي" وغيره، سوى دُمى يتم تصديرها إعلامياً، لتعتبر واجهة مناسبة تضفي على التنظيم الشكل المطلوب، والابتعاد تماماً عن شخصيات وأفكار مؤسسيه الحقيقيين.

النظام السوري

ويذكر المؤلف من خلال العديد من الأحداث والوثائق مدى تورط المخابرات السورية في دعم تنظيم داعش والتعاون معه، منذ احتلال العراق في العام 2003. موضحاً كيف أن سلاح الجو السوري لنظام الأسد كان يعمل دائما في خدمة تنظيم داعش، بإنقاذه في معاركه مع الثوار، في حين أنه لم يتعرض إلا نادراً لقوات داعش التي كانت بدورها تعمل على إنقاذ قوات النظام من خلال قتال قوات الثوار. وهناك العديد من الحوادث الدالة كقصف القوات الجوية السورية التابعة للنظام العديد من فرق المتمردين عليه فقط، أما تنظيم الدولة الإسلامية فلم يتم قصفه، وذلك لأنه ــ بصفته رمزاً للإرهاب ــ يعتبر بمثابة هدية من الله بالنسبة لنظام الأسد، الذي لولاه لكان الجهاديون قد فرضوا سيطرتهم منذ فترة طويلة على دمشق.

الخطط

"سنعين أذكى العملاء شيوخاً للشريعة ... وسيتم اختيار عدداً من الأخوة وتزويجهم ببنات أكثر العائلات نفوذا لضمان التغلغل في هذه العائلات دون إدراكها لذلك". هكذا كتب "حجي بكر" في مذكراته، وهو ما يقوم به التنظيم بدقة، فالخطة دائماً تبدأ بالتفاصيل نفسها .. تجتذب المجموعة تابعيها عبر افتتاح مكتب دعوي. ثم يتم اختيار شخص أو شخصين ممن يحضرون الدروس والندوات الدينية ويوكلون بمهمة التجسس على قراهم للحصول على معلومات عديدة، ثم يتم تحديد الأشخاص المؤثرين والقادة العسكريين ورسم خريطة لتوجهاتهم وميولهم. كما يتم الحرص على الاحتفاظ بتفاصيل مخزية لهم، كالسوابق الإجرامية أو الميول الجنسية الشاذة أو الارتباط بعلاقات غرامية، وذلك لاستخدام هذه المعلومات بهدف الابتزاز في ما بعد. وفي وقت لاحق بات يتم كسب بعض الأعداء من خلال المال والمناصب، وفي نهاية المطاف وفشل هذه المحاولات يتم اختطافهم واغتيالهم. وإلى جانب ذلك كانوا يوزعون في الاحتفالات والفعاليات الدعائية المصاحف المجانية وينظمون في شهر رمضان وجبات الإفطار الجماعية وموائد الرحمن.

مصادر التمويل

ويصف كريستوف رويتر في تفصيل دقيق كيفية حصول التنظيم على الأموال، بداية من السيطرة على حقول النفط، وبالتالي بيعه، خاصة للنظام السوري، وذلك بسبب وجود المصافي لدى نظام الأسد. والمصدر الأهم بعد ذلك لا يتوقف على النفط أو تجارة الآثار، وإنما يتمثل في الضرائب والمصادرات من السكان الخاضعين لمناطق نفوذه. ويُلاحَظ أن التنظيم بعد الاستيلاء والسيطرة على العديد من مستودعات السلاح، شعر بأنه أصبح في غاية القوة، حتى أنه صار يقاتل ضد الجيش السوري نفسه.

السُلطة الدينية والعسكرية

لم تزل المنطقة الموسومة بالشرق الأوسط تقع بين السلطتين الدينية والعسكرية، وإن كانت في السابق تعيش السلطة الدينية في كنف سلطة العسكر، إلا أن هوجة البعث الديني قلبت الموازين، وأصبح تصدير الخطاب الديني هو الأكثر استيعاباً لتفعيل هذه السلطة على أرض الواقع، ولو جماهيرياً وإعلامياً، فالحروب الدينية هي سمة هذا العصر، وهي المنوط بها إعادة تشكيل وترسيم حدود المنطقة من جديد، بمساعدة نظم عربية ديكتاتورية، أضحى النظام الملكي الوراثي هو أساسها، وهنا تكمن المفارقة الأخيرة بين تنظيم مدعوم من هذه النظم، ويوهم باستناده الفكري إلى فرق قاومته بالأساس! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق