إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، نوفمبر 06، 2017

قراءة في كتاب "من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث" لجورج طرابيشي ... استقالة العقل في الإسلام



سنحاول استعراض أهم النقاط التي جاءت في كتاب (جورج طرابيشي 1939 ــ 2016) "من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث .. النشاة المُستأنفة"، وهو الكتاب الأخير في مشروعه الخاص بنقد الفكر العربي. نظراً لما يمثله من كشف لمدى الأزمة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية حتى الآن، والمتمثلة في ما يمكن أن يُطلق عليه (استقالة العقل العربي)، والذي يختلف عنه عند الجابري في كونها تمت من خلال عوامل خارجية من تيارات الموروث القديم للآخر، بينما يراها طرابيشي متجسدة بعيداً عن هذا الآخر، بفعل كُتّاب الحديث، الذين غيّبوا القرآن لصالح الحديث، والعقل لصالح المعجزة.

من إسلام الرسالة إلى إسلام التاريخ

عمل الإسلام الأول على تثبيت الخطاب القرآني في نص مؤسِس، بينما إسلام القرون اللاحقة عمل على تثبيت السُنة. وقد أصبح هذا الهامش متناً وشكّل نصاً مؤسساً بدوره، فاق النص الأساس. فنجد أن الشافعي على سبيل المثال يقر بفرضية أن الرسول لا ينطق إلا عن وحي، حتى عندما لا ينطق بالقرآن، فقد أُنزلت الأحاديث التي وُضعت على لسان الرسول بعد وفاته منزلة الوحي! فصارت مُلزمة، حتى أن ابن حزم يقر بهذا الإلزام إلى يوم القيامة، فلا اعتبار لأي تغيير في الزمن والوقائع والتاريخ. ويستمر طرابيشي في فروضه، ويوضح الأمر أكثر من خلال ثنائية طاعة الله وطاعة الرسول، فيرى أن الأمر بإطاعة الرسول لا يخوّل له سلطة تشريعية، ــ كما يروّج لها الفقهاء من خلال مقولات وأفعال السُنة ــ التي هي من حق الله وحده، بل تكمن الطاعة في ما يدعوهم إليه من الإيمان بما أنزل إليه من ربه. فالرسول بذلك ــ حسب طرابيشي ــ بشر لا يتميز عن سائر البشر إلا بكونه ينزل الوحي عليه ليبلغه إلى الناس، وهو بحكم ذلك يخطئ ويصيب ــ راجع حادثة تأبير النخل ــ فالسُنة تأصلت من خلال تحوّل الإسلام إلى المجتمعات الأخرى، من العقيدة إلى الغزوات، وبالتالي تم التنوع في قراءة النص الأصلي وتفسيراته. وهو ما يوضحه التوسع الجغرافي للإسلام خارج الجزيرة العربية، والنزاعات بين أهل الكلام والفرق الدينية، حتى انتصر أهل السُنة، وجاء الفقهاء في سلطتهم الجديدة ــ سلطة التشريع ــ التي جعلت من السنة أن تتجاوز القرآن، وتصبح المرجع الأساس للفقه ــ يتفق طرابيشي إلى حد كبير ورؤية محمد أركون ــ هذا التحول هو ما يمكن أن يُسمى .. من الرسالة الى التاريخ.

النبي الأمي والنبي الأممي

الشائع فقهاً، وعن طريق تأويل الأحاديث النبوية أن لفظة "الأمي" تعني أن الرسول يجهل القراءة والكتابة، وهو أمر شابه الكثير من الشك في الدراسات الحديثة، بخلاف دراسة طرابيشي، الذي يرى أن الكلمة تعني تعني الأمة التي لا كتاب لها. فقد أرسله الله إلى الأميين العرب، الذين لم يكونوا أصحاب كتاب على غرار مَن اعتنقوا اليهودية أو المسيحية. بينما يذهب الفقهاء وكتب الحديث إلى أن كلمة "الأمي" تعني أن محمد هو نبي أمم الأرض بكاملها من دون استثناء. ويلاحظ طرابيشي أن أهل البلاد التي تم غزوها كانوا أكبر المساهمين في تطوير صناعة الفقه، وهذا ما أوجد تلاقياً في المصالح بين "الأوتوقراطية العربية الفاتحة وبين النخب والشرائح المثقفة من شعوب البلدان المفتوحة" فغدت العلاقة بينهما شراكة بين طرفين، أحدهما دخل فاتحاً يحمل تشريعاً إلهي المصدر، والآخر من أهل البلاد المفتوحة ينهض بمهمة استمرارية هذا التشريع عبر "تطوير السنة النبوية، وتأميم الرسول العربي" لدرجة أن الحاجة إلى القوة العسكرية لدى الفاتحين قد تلاشت بعد أن أصبحت الإمبراطورية العربية "تتولد ذاتياً" بفعل تلك العلاقة المصلحية (راجع: خالد غزال/صوت اليسار العراقي).

انقلاب الشافعي

يذكر طرابيشي "أن الشافعي نفّذ انقلابا حقيقيا على الصعيد اللاهوتي والابستمولوجي معا عندما جعل للسنة الرسولية البشرية نصاباً إلهيا وبوأها منزلة الأصل في الكتاب وكرّسها شريكة له في التحكم بمصائر كل العقل في الاسلام، سواء منه العقل الديني أو المعرفي ... لعل مثل هذا الانقلاب التأليهي في الإسلام لا يجد ما يناظره في تاريخ الأديان سوى الانقلاب الذي شهدته المسيحية في القرن الرابع الميلادي عندما جرى، مع تنصر الامبراطورية الرومانية، تنصيب المسيح إلها ابنا مشاركا في الجوهر للإله الأب". كما يترتب على ذلك انتفاء "بشرية الرسول". كل ذلك رغم ما يُشاع عنه بأنه معتدلاً توفيقياً بين مدرستي الرأي والحديث. وقد جعل من السُنة "وحياً غير متلو". (راجع: محمد أبو الخير/المسلم المعاصر). هذي بعض المشكلات التي ناقشها المفكر الرحل جورج طرابيشي، والتي توضح ــ سواء تم الاتفاق أو الاختلاف معها ــ إلى أي مدى يعاني المسلمون من معضلات سياسية بالأساس، أصبح الديني والمقدس يدور في فلكها، وهو ما يرمي بظلاله ويتنفسه المسلمون في معاملاتهم وتفاصيل حياتهم، التي صاغها الفقهاء، وابتعدوا بهم عن النص الأول والمؤسس للإسلام (القرآن)، وأن للسلطة السياسية الدور الأكبر في صياغة سلطة الفقهاء وتحكمهم في مخاليق الله.
...........

بيبلوغرافيا

ولد طرابيشي في مدينة حلب عام 1939، وحصل على الليسانس في اللغة العربية، ثم درجة الماجستير في التربية بجامعة دمشق. وعمل مديراً لإذاعة دمشق بين عامي 1963، 1964، ورئيساً لتحرير مجلة "دراسات عربية" بين عامي 1972، 1984، كما عمل محررا لمجلة "الوحدة" أثناء إقامته في لبنان بين عامي 1984، 1989. ثم غادر لبنان إلى فرنسا التي أقام بها متفرغا للكتابة والتأليف. إضافة إلى كونه الأمين العام لرابطة العقلانيين العرب، وعضو هيئة الأوان الاستشارية. ترجم طرابيشي العديد من أعمال كبار المفكرين والفلاسفة الغربيين، مثل .. هيغل، فرويد، جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار. كما قدم عددا من الدراسات والأبحاث في الفكر والفلسفة والنقد الأدبي، منها .. الماركسية والمسألة القومية، رمزية المرأة في الرواية العربية، مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة، مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام، من النهضة إلى الردّة، المثقفون العرب والتراث، عقدة أوديب في الرواية العربية، الله في رحلة نجيب محفوظ، الاستراتيجية الطبقية للثورة. إضافة إلى أهم أعماله الفكرية التي تأتي تحت اسم "نقد نقد العقل العربي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق