في رواية "مائة عام من العزلة" لجابريل ماركيز، جاءت لفظة "الأورليانيون" وهم أبناء إحدى شخصيات الرواية العقيد "أورليانو بوينديا"، هذا الرجل الثوري، الذي أخذ رتبة العقيد نظير خدماته وحروبه الطويلة في سبيل الثورة. وفي غمار رحلاته الثورية، كان يرمي بذور نضاله في أرحام نساء كثيرات مختلفات، حتى تكوّن ما سُميّ بالأورليانيين. هؤلاء الأبناء عادوا في النهاية إلى مسقط رأس أبيهم، للبحث عنه، والعيش في حرية عالمه الثوري، ولكن كان رجل الدين في القرية لهم بالمرصاد، وكمحاولة مستميته للحفاظ على هيبة سلطته، توصل لاتفاق بأن يُعمّد هؤلاء الرجال الأطفال، حتى يصبحون أولاد حلال. وبعد موافقة العقيد على الخدعة، ظل صليب رحلة التعميد فوق جباههم وصمة لا تمحى، مما سهّل عملية اصطيادهم والقضاء عليهم من قِبل أعداء العقيد، وهم بالأساس أعداء الثورة. فلا يجد العقيد في النهاية بعدما فقد أطفاله/مستقبله إلا الجلوس إلى رصيف تاريخه الذي لا يعرفه أحد من الأجيال الجديدة. لقد تهاون الثوري الذي لم يخش طلقات الرصاص، وندوب جسده التي شكلت خريطة روحه. تهاون مع سلطة قائمة، لن تترك دورها ومكانتها بسهولة، سواء تمثلت هذه السلطة في رجال الدين، أو الأعراف والتقاليد البالية لمجتمع يخشى ولو لمرّة أن يتنفس في حرية. لذا نأمل ألا يأتي الوقت الذي يصبح فيه "أورليانيو الثورات العربية" مطاردون في كل مكان، إذا تنازل أحدهم ولو للحظة مع السلطة العتيدة في المجتمع العربي، الذي يتقاسم بطولتها كل من الجيش ورجال الدين، وما يحملونه من فكر لا يرى في المستقبل إلا تجميد الواقع الراهن، ولن يسمحوا لغفلة أخرى تطول عمائمهم وكاباتهم العسكرية، لن يسمحوا لأحد بأن يحلم ولو بينه وبين نفسه، فلا سبيل إلا إرغام هؤلاء للقبول بشرعية ثورية يخطها الثوار، ويسعون إلى تنفيذها بإصرار لا يلين، وإلا سيصبحون في النهاية كحكاية يتيمة يقصّها العواجيز حول أبخرة الشاي، حول جيل أتى ومرّ، لم يحمل من دنياه سوى "وصمة" أنه كان ثورياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق