صوّر حياة مصر الأربعينيات بالفرنسية واعتبر السلطة آفة حياتية لابد منها
كانت الحياة اليومية، وشخوصها الحقيقية، والبعيدة عن كل متاجرة
أو دعاية، أو نضال زائف، هي كل ما كانت تدور حوله أعمال الكاتب المصري «ألبير قصيري» الذي نعته فرنسا، والوسط الأدبي الفرنسي، رغم رفضه الجنسية الفرنسية، واصراره على الاحتفاظ بجنسيته وروحه المصرية، التي لم تغادره طوال 60 عاما، قضاها بباريس، التي نشرت أعماله واحتفت بها، ومنحته العديد من الجوائز، واعتبرته إضافة فريدة للأدب واللغة الفرنسية، حتى وإن كتب بعقل وروح مصرية، قلما توافرت للكثيرين من الأدباء المصريين قليلي الموهبة، والذائعي الصيت بفضل وسائل الإعلام.
رحل الكاتب «ألبير قصيري» عن 94 عاما، في أواخر يونيو 2008، وحيدا بالغرفة رقم 58 في فندق لويزيان بالحي اللاتيني، الذي أقام به ما يقارب 45 عاما، دون أن يفارقه. ولمن لا يعرف قصيري، فهو كاتب مصري لم يكتب سوى عن مصر، ولد بحي الفجالة في 3 نوفمبر عام 1913 لأبوين مصريين، أصولهما من الشام، واختار الفرنسية وفرنسا لغة ووطنا ثانيا يعيش فيه.
كتب قصيري طيلة حياته 7 روايات ومجموعة قصصية وديوانا شعريا وحيدا، حيث تدورأعماله كلها حول مصر الأربعينيات على وجه الخصوص، حينما غادرها قصيري عام 1945.
ومن أشهر أعماله "العنف والسخرية" "شحاذون ومعتزون" "بشر نساهم الله" "منزل الموت الأكيد"، وقد تحولت بعض هذه الأعمال إلى أفلام سينمائية، فقام جلال الشرقاوي بتحويل رواية منزل الموت الأكيد إلى فيلم بعنوان "الناس اللي جوّه" وهو نسخة مشوهة ولا تمت الى الرواية بصلة، مما جعل العمل مرتعا ساذجا للحواس، وقد أحالت ضحالة وعي الشرقاوي بينه وبين الوقوف على عتبة الرواية، وفهم شخوصها ومغزى أفعالهم. وجاءت تجربة المخرجة أسماء البكري مع أعمال قصيري أكثر سذاجة وسطحية لعالمه الرحب، فتناولت روايتي "شحاذون ومعتزون" و"العنف والسخرية" دون أن تستطيع أن تعكس روح وعمق روايات وفكر قصيري المعقد. وقد حولتهما إلى سجالاً عقيماً لأفكار أكثر عقماً، لطالما حاربها قصيري نفسه وسخر منها بين سطور أعماله!
الفراغ والكسل قصيري وهو «أكبر كاتب كسول في العالم» كما أطلقت عليه الصحف الفرنسية، جعل من الكسل فلسفة وجودية مرتبطة بالإنسان،الذي يعي ما حوله تماما، وجعل من هذا الكسل العدو الأول لكل مظهر خادع، فهناك أسرة بالكامل في رواية «كسالى الوادي الخصيب» لم تغادر منزلها على الإطلاق! فشخصيات قصيري همها الأوحد هو البحث عن السعادة، رغم ما تعانيه من شقاء وبؤس ظاهر، وتتجلى هذه السعادة في كلمة واحدة.. الحرية.
فالشخصيات ترفض كل القوانين والمسميات الفارغة، فهي تعرف كيف تعيش حياتها، كصاحبها تماما، الذي يمثل الصورة القصوى للرومانسية.
فقراء ولصوص ومدمنون وعاهرات ومشردون، ولكنهم يحافظون على الكنز الوحيد لديهم، وهو الاحتفاظ بآدميتهم، دون الشكل الساذج للتضحية والظروف وما شابه، بعيدا عن انتهاكات المجتمع وسلطته، ومحاولته تشويه النقاء الروحي للشخصيات.
وقد شكر قصيري الله، لأنه لم يحمل بطاقات بنكية، أو يمتلك سيارة، فهو يعرف كيف يعيش، ويترك للأغبياء الذين طالما سخر وانتقم منهم في رواياته، كل هذه المظاهر الزائفة، ويقول اذا ما انتهى قارئ من أحد كتبي يقرر عدم الذهاب الى العمل.
شقاء الإنسان رغم بدايات قصيري مع فناني درب اللبانة ونشر بعض قصصه في مجلة التطور، لسان حال السورياليين المصريين آنذاك في أربعينيات القرن الفائت، وهي نصوص مترجمة فهو لم يكتب سوى بالفرنسية، فقد لفت النظر إليه، حتى أن الكاتب الكبير «إدوار الخراط» ترجم في شبابه بعضا من قصص قصيري. فواقعية قصيري وشخصياته التي تعي مصائرها، وتعلم إنها لا تحترم سوى آدميتها،هي الوحيدة القادرة على البقاء في مواجهة تفاهات وسخافات العالم، ففي قصة «اضطرابات في مدرسة الشحاتين» من مجموعة "بشر نسيهم الله" كان الصراع بين الأستاذ «جاد» والمعلم "شوالي" صاحب المدرسة، هو الطريقة التي يستجدي ويتسول بها الأطفال، فالأستاذ جاد كان يرى أن يتسول الأطفال وهم في ملابس نظيفة كملابس الأعياد، ليُحرج الطبقة الراقية، ولكن المعلم شوالي أوضح له الصورة، أنهم بشر لا يعيشون بالألوان الزاهية، بل إن إنسانيتهم تتجلى في المعاناة وجروحهم ظاهرة، وجوههم لا يطولها الماء، وبؤس مُفجع يسبب الهلع والفزع للطبقة الراقية، لا الشفقة عليهم، فالشفقة مهنة العاجز، أما هم فيمتلكون مهنة محترمة، لها معنى على الأقل. وكان رد شوالي البليغ ليقطع هذا الحوار والجدال الفارغ، هو الذهاب للقيام بعمل في غاية الأهمية، لأن المستقبل يكمن هناك، وأشار شوالي إلى دورة مياه عمومية، وذهب إليها ليتبول. فالأفكار الطنانة، وهذه الطريقة من النضال، لا مجال لها إلا دورات المياه!
هذه السذاجات هي التي جعلت «جوهر» بطل رواية «شحاذون ومعتزون» يترك تدريس الفلسفة بالجامعة، وقد كان أستاذا لها، ليعمل حسابيا في بيت الرغبات المُحرمة من وجهة نظر المجتمع ليتوفر له فقط أن يتعاطى الحشيش ويعيش في عالمه الحقيقي الخاص، بعيدا عن واقع فاسد. وكانت سخرية جوهر ورفاقه من ضابط الشرطة ممثل السلطة التي يكرهونها، الضابط الذي يريد معرفة سر قتيلة بيت الهوى، الذي يعمل به جوهر، بتوجيه سؤال وحيد إليه، وهو ماذا يعمل؟! وفي استغراب يشير الرجل إلى الزي الرسمي الذي يرتديه، ويقول في تباهٍ جاهل: ضابط شرطة، فجاء رد أحدهم ليصدمه، بأن هذه ليست مهنة، فكيف تكون كل مهنته في الحياة أن يقبض على إنسان يُماثله في الإنسانية؟!
هذه الحقيقة التي وضعوها أمام عينيه، أتت ثمارها في نهاية الرواية، فقد خلع الزي الرسمي، وجاء إلى المقهى لينضم إليهم، وقد عرف معنى السعادة.
موت طاغية ليس النهاية السخرية من السلطة، تتخذ شكلا آخر في رواية «العنف والسخرية» فقد تعامل قصيري مع السلطة بطريقة مُلفتة، وتفنن في وسائل احتقارها والقضاء عليها، ربما بطريقة تفوق الكثيرين من الكتاب المصريين الذين يعيشون داخل مصر، ولا يستطيعون الوصول إلى درجة الوعي في التعامل مع السلطة، رغم ما يبدو في كتاباتهم التحررية والنضالية الجوفاء، وهم في الأساس عملاء سلطة وحكومة. فقد تعامل قصيري معها على أنها آفة حياتية لا بد منها، وبالتالي يجب القضاء عليها، لا بالمواجهة وتمثيل النضال الزائف، بل بالسخرية منها واعتبارها مزحة يجب التسلي بها.
ففي العنف والسخرية.. يأتي المحافظ الجديد، ممثل الحكومة وسلطتها، يريد أن يقضي على أعرق مهن المدينة، وهي الشحاذة، فيجمع الشحاذون التبرعات لعمل تمثال للمحافظ يوضع عند بوابة المحافظة، تقديرا منهم لجهوده في تنظيف المدينة من الشحاذين، فما كان من السلطة الأعلى إلا أن أقالت المحافظ نظرا لشعبيته التي قد تصبح خطرا على السلطة الأم!
هكذا يتعامل قصيري مع السلطة، بدون هتافات وإيديولوجيات فارغة، وجماعات ومؤتمرات وبرامج على الفضائيات ــ نحن نتحدث عن الشكل الحديث من النضال ــ يأتيها المناضلون من كل مكان ينتقدون ويتكلمون وهم في الأساس أطراف في مؤامرات الحكومة ضد مواطنيها، وإلا فماذا سيفعلون؟! فهؤلاء المتنطعين الذين يطالعون الجمهور في الصحف والبرامج ما هم إلا أدوات ضرورية لأي سلطة ونظام فاسد، مهما بدت اللعبة من حرية وجرأة وما شابه، سواء هذا النظام في مصر، أو في أي دولة عربية أخرى. فالسخرية فقط كما تبناها قصيري، هي القادرة على التعامل مع مثل هذه الآفات. قصيري الذي كان يمجد الكسل، ويعرف كيف يعيش الحياة في الوقت نفسه، كان تماما كشخصياته، فهو لا يكتب إلا عبارتين في الأسبوع، ولا يكتب رواية إلا كل عقد من الزمن.
وفي حوار معه بمجلة «لير» الفرنسية منذ عدة سنوات
كان السؤال: إذا قابلت الله، ماذا تحب أن تقول له؟
فقال: إني فخور بك.
* أعمــال ألبيــر قصيـــري: لسعات 1931 ديوان شعر نشر بالقاهرة
بشر نساهم الله 1941
منزل الموت الأكيد 1944
كسالى الوادي الخصيب 1948
شحاذون ومعتزون 1955
العنف والسخرية 1964
مؤامرة مهرجين 1975
طموح في الصحراء 1984
ألوان النذالة 1999
كانت الحياة اليومية، وشخوصها الحقيقية، والبعيدة عن كل متاجرة
أو دعاية، أو نضال زائف، هي كل ما كانت تدور حوله أعمال الكاتب المصري «ألبير قصيري» الذي نعته فرنسا، والوسط الأدبي الفرنسي، رغم رفضه الجنسية الفرنسية، واصراره على الاحتفاظ بجنسيته وروحه المصرية، التي لم تغادره طوال 60 عاما، قضاها بباريس، التي نشرت أعماله واحتفت بها، ومنحته العديد من الجوائز، واعتبرته إضافة فريدة للأدب واللغة الفرنسية، حتى وإن كتب بعقل وروح مصرية، قلما توافرت للكثيرين من الأدباء المصريين قليلي الموهبة، والذائعي الصيت بفضل وسائل الإعلام.
رحل الكاتب «ألبير قصيري» عن 94 عاما، في أواخر يونيو 2008، وحيدا بالغرفة رقم 58 في فندق لويزيان بالحي اللاتيني، الذي أقام به ما يقارب 45 عاما، دون أن يفارقه. ولمن لا يعرف قصيري، فهو كاتب مصري لم يكتب سوى عن مصر، ولد بحي الفجالة في 3 نوفمبر عام 1913 لأبوين مصريين، أصولهما من الشام، واختار الفرنسية وفرنسا لغة ووطنا ثانيا يعيش فيه.
كتب قصيري طيلة حياته 7 روايات ومجموعة قصصية وديوانا شعريا وحيدا، حيث تدورأعماله كلها حول مصر الأربعينيات على وجه الخصوص، حينما غادرها قصيري عام 1945.
ومن أشهر أعماله "العنف والسخرية" "شحاذون ومعتزون" "بشر نساهم الله" "منزل الموت الأكيد"، وقد تحولت بعض هذه الأعمال إلى أفلام سينمائية، فقام جلال الشرقاوي بتحويل رواية منزل الموت الأكيد إلى فيلم بعنوان "الناس اللي جوّه" وهو نسخة مشوهة ولا تمت الى الرواية بصلة، مما جعل العمل مرتعا ساذجا للحواس، وقد أحالت ضحالة وعي الشرقاوي بينه وبين الوقوف على عتبة الرواية، وفهم شخوصها ومغزى أفعالهم. وجاءت تجربة المخرجة أسماء البكري مع أعمال قصيري أكثر سذاجة وسطحية لعالمه الرحب، فتناولت روايتي "شحاذون ومعتزون" و"العنف والسخرية" دون أن تستطيع أن تعكس روح وعمق روايات وفكر قصيري المعقد. وقد حولتهما إلى سجالاً عقيماً لأفكار أكثر عقماً، لطالما حاربها قصيري نفسه وسخر منها بين سطور أعماله!
الفراغ والكسل قصيري وهو «أكبر كاتب كسول في العالم» كما أطلقت عليه الصحف الفرنسية، جعل من الكسل فلسفة وجودية مرتبطة بالإنسان،الذي يعي ما حوله تماما، وجعل من هذا الكسل العدو الأول لكل مظهر خادع، فهناك أسرة بالكامل في رواية «كسالى الوادي الخصيب» لم تغادر منزلها على الإطلاق! فشخصيات قصيري همها الأوحد هو البحث عن السعادة، رغم ما تعانيه من شقاء وبؤس ظاهر، وتتجلى هذه السعادة في كلمة واحدة.. الحرية.
فالشخصيات ترفض كل القوانين والمسميات الفارغة، فهي تعرف كيف تعيش حياتها، كصاحبها تماما، الذي يمثل الصورة القصوى للرومانسية.
فقراء ولصوص ومدمنون وعاهرات ومشردون، ولكنهم يحافظون على الكنز الوحيد لديهم، وهو الاحتفاظ بآدميتهم، دون الشكل الساذج للتضحية والظروف وما شابه، بعيدا عن انتهاكات المجتمع وسلطته، ومحاولته تشويه النقاء الروحي للشخصيات.
وقد شكر قصيري الله، لأنه لم يحمل بطاقات بنكية، أو يمتلك سيارة، فهو يعرف كيف يعيش، ويترك للأغبياء الذين طالما سخر وانتقم منهم في رواياته، كل هذه المظاهر الزائفة، ويقول اذا ما انتهى قارئ من أحد كتبي يقرر عدم الذهاب الى العمل.
شقاء الإنسان رغم بدايات قصيري مع فناني درب اللبانة ونشر بعض قصصه في مجلة التطور، لسان حال السورياليين المصريين آنذاك في أربعينيات القرن الفائت، وهي نصوص مترجمة فهو لم يكتب سوى بالفرنسية، فقد لفت النظر إليه، حتى أن الكاتب الكبير «إدوار الخراط» ترجم في شبابه بعضا من قصص قصيري. فواقعية قصيري وشخصياته التي تعي مصائرها، وتعلم إنها لا تحترم سوى آدميتها،هي الوحيدة القادرة على البقاء في مواجهة تفاهات وسخافات العالم، ففي قصة «اضطرابات في مدرسة الشحاتين» من مجموعة "بشر نسيهم الله" كان الصراع بين الأستاذ «جاد» والمعلم "شوالي" صاحب المدرسة، هو الطريقة التي يستجدي ويتسول بها الأطفال، فالأستاذ جاد كان يرى أن يتسول الأطفال وهم في ملابس نظيفة كملابس الأعياد، ليُحرج الطبقة الراقية، ولكن المعلم شوالي أوضح له الصورة، أنهم بشر لا يعيشون بالألوان الزاهية، بل إن إنسانيتهم تتجلى في المعاناة وجروحهم ظاهرة، وجوههم لا يطولها الماء، وبؤس مُفجع يسبب الهلع والفزع للطبقة الراقية، لا الشفقة عليهم، فالشفقة مهنة العاجز، أما هم فيمتلكون مهنة محترمة، لها معنى على الأقل. وكان رد شوالي البليغ ليقطع هذا الحوار والجدال الفارغ، هو الذهاب للقيام بعمل في غاية الأهمية، لأن المستقبل يكمن هناك، وأشار شوالي إلى دورة مياه عمومية، وذهب إليها ليتبول. فالأفكار الطنانة، وهذه الطريقة من النضال، لا مجال لها إلا دورات المياه!
هذه السذاجات هي التي جعلت «جوهر» بطل رواية «شحاذون ومعتزون» يترك تدريس الفلسفة بالجامعة، وقد كان أستاذا لها، ليعمل حسابيا في بيت الرغبات المُحرمة من وجهة نظر المجتمع ليتوفر له فقط أن يتعاطى الحشيش ويعيش في عالمه الحقيقي الخاص، بعيدا عن واقع فاسد. وكانت سخرية جوهر ورفاقه من ضابط الشرطة ممثل السلطة التي يكرهونها، الضابط الذي يريد معرفة سر قتيلة بيت الهوى، الذي يعمل به جوهر، بتوجيه سؤال وحيد إليه، وهو ماذا يعمل؟! وفي استغراب يشير الرجل إلى الزي الرسمي الذي يرتديه، ويقول في تباهٍ جاهل: ضابط شرطة، فجاء رد أحدهم ليصدمه، بأن هذه ليست مهنة، فكيف تكون كل مهنته في الحياة أن يقبض على إنسان يُماثله في الإنسانية؟!
هذه الحقيقة التي وضعوها أمام عينيه، أتت ثمارها في نهاية الرواية، فقد خلع الزي الرسمي، وجاء إلى المقهى لينضم إليهم، وقد عرف معنى السعادة.
موت طاغية ليس النهاية السخرية من السلطة، تتخذ شكلا آخر في رواية «العنف والسخرية» فقد تعامل قصيري مع السلطة بطريقة مُلفتة، وتفنن في وسائل احتقارها والقضاء عليها، ربما بطريقة تفوق الكثيرين من الكتاب المصريين الذين يعيشون داخل مصر، ولا يستطيعون الوصول إلى درجة الوعي في التعامل مع السلطة، رغم ما يبدو في كتاباتهم التحررية والنضالية الجوفاء، وهم في الأساس عملاء سلطة وحكومة. فقد تعامل قصيري معها على أنها آفة حياتية لا بد منها، وبالتالي يجب القضاء عليها، لا بالمواجهة وتمثيل النضال الزائف، بل بالسخرية منها واعتبارها مزحة يجب التسلي بها.
ففي العنف والسخرية.. يأتي المحافظ الجديد، ممثل الحكومة وسلطتها، يريد أن يقضي على أعرق مهن المدينة، وهي الشحاذة، فيجمع الشحاذون التبرعات لعمل تمثال للمحافظ يوضع عند بوابة المحافظة، تقديرا منهم لجهوده في تنظيف المدينة من الشحاذين، فما كان من السلطة الأعلى إلا أن أقالت المحافظ نظرا لشعبيته التي قد تصبح خطرا على السلطة الأم!
هكذا يتعامل قصيري مع السلطة، بدون هتافات وإيديولوجيات فارغة، وجماعات ومؤتمرات وبرامج على الفضائيات ــ نحن نتحدث عن الشكل الحديث من النضال ــ يأتيها المناضلون من كل مكان ينتقدون ويتكلمون وهم في الأساس أطراف في مؤامرات الحكومة ضد مواطنيها، وإلا فماذا سيفعلون؟! فهؤلاء المتنطعين الذين يطالعون الجمهور في الصحف والبرامج ما هم إلا أدوات ضرورية لأي سلطة ونظام فاسد، مهما بدت اللعبة من حرية وجرأة وما شابه، سواء هذا النظام في مصر، أو في أي دولة عربية أخرى. فالسخرية فقط كما تبناها قصيري، هي القادرة على التعامل مع مثل هذه الآفات. قصيري الذي كان يمجد الكسل، ويعرف كيف يعيش الحياة في الوقت نفسه، كان تماما كشخصياته، فهو لا يكتب إلا عبارتين في الأسبوع، ولا يكتب رواية إلا كل عقد من الزمن.
وفي حوار معه بمجلة «لير» الفرنسية منذ عدة سنوات
كان السؤال: إذا قابلت الله، ماذا تحب أن تقول له؟
فقال: إني فخور بك.
* أعمــال ألبيــر قصيـــري: لسعات 1931 ديوان شعر نشر بالقاهرة
بشر نساهم الله 1941
منزل الموت الأكيد 1944
كسالى الوادي الخصيب 1948
شحاذون ومعتزون 1955
العنف والسخرية 1964
مؤامرة مهرجين 1975
طموح في الصحراء 1984
ألوان النذالة 1999
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق