إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، أكتوبر 16، 2011

البائسون


يرى الكثيرون أن الثورات العربية التي بدأت، والتي يبدو أنها لن تنتهي في القريب، يرون أن نجاحها يتوقف على حسم أمر جيوش ومؤسسة العسكر في هذه البلاد، فقد وقفوا بجوار الثورة، والمثال المتحقق الآن للحديث عنه هو حالة تونس ومصر، بغض النظر عن الصراعات الدائرة في ليبيا واليمن وسوريا. ولكن السؤال هنا يدور عن موقف المؤسسة العسكرية في الدول التي يبدو من بعيد أنها انجزت ثورتها ــ وهو ما يخالف الحقيقة ــ عقلية العسكر دوماً تبتعد مسافات شاسعة عن عقلية الثوار، وهو ما يتحقق الآن على أرض الواقع. ومن المفترض أن يراجع الجميع وجهة نظرهم التي تكونت بفعل السلطات القمعية في تمجيد وتبجيل العسكر، وقد أثبتت الأيام أنهم لا يبحثون سوى عن مصالحهم ومنافعهم، بغض النظر عن ثورة أو ما شابه. ويعود هذا على ما نظن إلى بؤس نفسياتهم وتركيبتهم وتربيتهم العسكرية. في فيلم "عودة الابن الضال" ليوسف شاهين، كان الأخ الكبير ورب الأسرة الفعلي هو من يتحكم بالجميع، وبينما أخيه المناضل يقبع في سجن النظام الحاكم، الذي آمن به وبمشروعه القومي! يقوم الأخ الأكبر باستباحة الجميع، حتى خطيبة أخيه، التي تغزل انتظارها، وتمارس صبرها المكبوت، لم تسلم من اعتداء الأخ الأكبر عليها، وقد حول البيت والقرية كلها إلى ما يشبه الثكنة العسكرية. لا أحد يتنفس إلا بأمره، يعيش في عزلة مميته، رغم الصخب والضحك المزعج الذي يثيره حوله دائماً، دون أن ينسى أنه ضحى من أجل الجميع، ضحى بوقته وحياته ومستقبله من أجلهم جميعاً، وينتظر رد الجميل في صمتهم، وتحيته على أفعاله، حتى ولو شوه نفسياتهم وحياتهم. فهو لم يمسه الخطأ قط، ويعرف مصلحة الجميع، السذج، الذين لا يدرون ما يفعلون. هذه النغمة ذاتها يتردد صداها في نبرة كل ديكتاتور، وكل سلطوي، عارضاً تضحياته كجندي مجهول، ولا يريد سوى سماع عبارات الشكر الدائمة من ضحاياه. المفارقة التي جاء بها يوسف شاهين في ذكاء بالغ، مفارقة ومبرر سلوك هذه الشخصية البائسة، هو أنه كان طالب سابق بالكلية الحربية، وتركها لرعاية أملاك أسرته، عسكري سابق ليس أكثر، لم يتحقق حلمه في بدلة عسكرية ونياشين وتصاوير في الصحف، فأراد تحقيقه فوق أحلام ذويه، عسكري السلوك والروح، فكانت نهايته جديره به، فهل سينتهي الآخرون كذلك، ولو بشكل رمزي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق