إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، أكتوبر 05، 2011

لا أستطيع سوى كتابة رسائل حب!



لم يكن "فلورنتينو إريثا" سوى عرّاب عشاق كبير، وعاشق أكبر. لم يكن يملك سوى روحاً صادقة يبثها عبر رسائلة لـ "فيرمينا داثا" ربة مخيلته وقديسة روحه. كان يسير في طريق بعيدة مجهولة، تليق بوحي خيال معشوقة ظِله. هذا الظل الذي استوى فوقه في صراط ليس بمستقيم مجموعة من العسكر الرسميين، فالحرب مشتعلة في كل مكان، والثوار يحاولون، ويحاولون، كما كان يحاول عرّاب الهوى لملمة ظله من أسفل أحذية خنازير السلطة الأغبياء! ظنوه ثورياً من المغضوب عليهم، "ولكنني لا أستطيع سوى كتابة رسائل حب"، هكذا أجابهم، متوسلاً ببركات قديسته الطاهرة، ليُشهدها على ما يحدث. أيام وأيام من التعذيب، وبيقين نبي كان يدرك أن روح الجميلة تواسيه. نجحت الثورة واحتفل الثوار، وخرج رب العشاق من غياهب التجربة متوجاً من الجميع كثوري ومناضل، و ....، و....، هذه الصفات التي التي لازمته زمن، والتي نفاها في كل لحظة، مؤكداً فقط أنه لم يكن سوى كاتب رسائل حب! وأن وحي الشجاعة الذي كان يزور وحدته كل ليلة، لم يكن سوى رسالة خجولة من حبيبته المخلصة إلى أبد الآبدين. فلورنتينو كان مناضلاً بالمصادفة ليس أكثر، لم يكن يشغله مما يدور في بلاده سوى حكاية حبه الأسطوري لفرمينا، الفتاة المدللة، الحادة والخجولة جداً، والتي أرجع إليها الفضل في تحمله كافة أنواع التعذيب، التي لم تكن سوى إحدى ضرائب حبه الوحيد. لكن ما يميز الفتى كان صدقه العجيب مع نفسه أولاً، ومع الآخرين، فلم ينجرف وراء مفردات زائفة ستكشف عن نفسها في يوم ما. كان "جابريل ماركيز" يدرك جيداً وهو يعيش في بلد يعاني من الانقلابات والثورات، أن الكثيرين سيقنعون أنفسهم ويتحدثون باسم ثورات لم يخوضوها، وسيواجهون الآخرين بكل بجاحة وصلف أكثر قسوة من الذين انتصروا عليهم، فجاء فلورنتينو إريثا بطل "الحب في زمن الكوليرا" ليواجه هؤلاء، ويُعرّي أرواحهم الخربة. فهل يمتلك مسوخنا الثورية اليوم ــ وقد تناسوا تاريخهم ــ طيف شجاعة وصدق رب الوله المزمن، ويهمسون يقين رسائلهم؟ وقتها سيدركون أنهم لا يستطيعون سوى كتابة رسائل حب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق