إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، ديسمبر 08، 2010

ولاد العم ... محاولة ساذجة لتصحيح صورة مصر من الصراع مع إسرائيل

בני דוד

الحكاية
في صباح يوم شم النسيم تخرج عائلة مصرية صغيرة مكونة من الوالدين (منى زكي وشريف منير) وطفليهما إلى البحر في بورسعيد، وبعد دقائق يتحول واقع هذه الأسرة التقليدية السعيدة إلى كابوس مروّع على الأم، حيث تكتشف أن زوجها رجل مخابرات إسرائيلي اسمه «دانيال»، وأنه اخطتفها هي وولديها ليعود بهم إلى إسرائيل. وفي مصر تكتشف المخابرات المصرية هروب هذا العميل بأسرته، لاحظ أنهم يدركون ويعرفون شخصيته من البداية، فترسل خلفه ضابط مخابرات (كريم عبدالعزيز) إلى تل أبيب.
هناك يتنكر الضابط المصري في هيئة عامل في الجدار العازل ثم موظف في صيدلية حتى يتمكن من تجنيد زوجة العميل الإسرائيلي.. لكنه يكتشف أن المسألة كلها لم تكن سوى محاولة من الضابط الإسرائيلي للايقاع به وإحضاره إلى تل أبيب حتى يتم القبض عليه، نظراً لصراع قديم بينهما، وبعد العديد من مشاهد الأكشن، على غرار أكشن الدرجة الثالثة الأميركي ينتصر الضابط المصري في النهاية، ويعود ومعه الزوجة المصرية وطفليها إلى مصر (علشان حرام واحدة مصرية ومسلمة تكون متزوجة من يهودي، رغم أن هذا الحرام كانت تدركه المخابرات المصرية في الفيلم عندما كانت هذه الأسرة تعيش على أرض مصر)!
تجربة ساذجة
كان من الجيد أن تتناول السينما المصرية موضوعاً جاداً، بعيداً عما تقدمه الآن من ابتذال في معظم أعمالها، بالإضافة إلى أن الموضوع الذي طالما ظن البعض أنه انتهي، وهو الصراع المصري ـ الإسرائيلي، وقد يكون من المدهش والمثير أن نعرف جيداً أن الصراع بين مصر واسرائيل قائم دوماً، رغم الشكل الرسمي الهادئ للعلاقات، بل إنه على أشده أكثر من صراع إسرائيل مع أي دولة عربية أخرى.
نقول هذا تدليلاً على تجربة فيلم «ولاد العم» الذي أراد الابتعاد ظاهرياً عن الرأي الرسمي والسياسي المصري، ليقترب من الحقيقة والرأي العام في مصر، فاختيار موضوع كهذا يضمن له النجاح الجماهيري، رغم ما أشيع عن توقف تصوير الفيلم من قِبل السلطات المصرية، سواء الرقابة أو المخابرات أو ما شابه، ولسنا ندري أهو من سبيل الدعاية للفيلم، (الدعاية أيضاً على الطريقة الأميركية)، أم ليستريح الضمير الرسمي للسلطة المصرية. على أي حال نجح الفيلم، تجارياً فقط، كما أراد له صانعوه، لأنه من البداية فيلم تجاري التركيبة، أميركي التنفيذ، لا علاقة له بالوطنية او الأعمال البطولية، أو السينما السياسية، هذا المصطلح الذي لم تعرفه السينما المصرية حتى الآن رغم اشتعال الشرق الأوسط منذ العام 1948!
فمن الممكن جداً أن يصبح الصراع في الفيلم بين تاجري مخدرات، دون أن نشعر بأن هناك تغييراً يُذكر، وهذا ما يكشف سطحية وسذاجة الفيلم. إلا أن اللافت للنظر أن الفيلم قد أتى بجديد، ففي كل الأفلام المتخلفة، والتي تلعب على مشاعر البسطاء وعقولهم يقوم بطل الفيلم بحرق العلم الإسرائيلي تشفياً وغيظاً، وأخذاً بالثأر، إلا أن فيلمنا الجاد، ووفق صراع الراشدين وليس القصّر، قام بحرق رجل إسرائيلي، وليس أي رجل، بل ضابط متميز بالموساد!
المجتمع الإسرائيلي
تدور أحداث الفيلم داخل إسرائيل، وقد تم التصوير في جنوب أفريقيا نظراً للتشابه الكبير بين جغرافية وطبيعة المكان، كما قال صانعو الفيلم، وقد اطلع مؤلف الفيلم، عمرو سمير عاطف، على هذه الأماكن داخل إسرائيل من خلال الإنترنت، ولم يذكر المؤلف أنه مثلاً قد شاهد أفلاماً إسرائيلية على أقل تقدير لرجل يكتب فيلماً داخل دولة أخرى، لكنه اكتفي برؤية عدة صور لإسرائيل من الداخل على جهاز الكومبيوتر!
هذه السطحية في الإعداد ظهرت خلال الفيلم من خلال جمل تقريرية معروفة سلفاً للجميع عن تفكك المجتمع الإسرائيلي من الداخل، حيث التصنيف الطبقي والاجتماعي الحاد بين يهود الشرق الفقير والغرب الغني، فقد فوّت الفيلم فرصة كبيرة في التعرّف على الشخصيات اليهودية داخل إسرائيل وفق الرؤية القاصرة جداً لصانعي الفيلم، فظهرت الشخصيات الاسرائيلية كشخصيات الجرافيك الخيالية، تشبه الإنسان، لكنها مسطحة، ولا تمت إليه بصلة.
عالم الكوابيس
تحت هذا العنوان نستطيع أن نضع شخصية بطلة الفيلم، التي جسدتها منى زكي بصورة جيدة وفق قدراتها التمثيلية، كامرأة تصحو لتجد نفسها في مكان آخر، حتى خيالها لا يستطيع أن يأخذها إليه، وهو إسرائيل، كما أن رب أسرتها يتضح أنه من أفضل رجال الموساد! وسط هذا الجو الكابوسي تحيا شخصية البطلة، والجميع من حولها يحاولون دفعها الى ان تتعايش وترضى بالأمر الواقع، في مجتمع متقدم وراقٍ، بخلاف مجتمعنا المتخلف.ورغم معاناة الممثلة في تجسيد الشخصية، إلا أنه يتضح أيضاً أن الصراع المادي بين ضابطي المخابرات المصري والاسرائيلي كان يشغل الحيز الأكبر من تفكير أصحاب الفيلم فحكاية الصراع بين رجلين في مهنة واحدة كضباط مخابرات، والتي من الممكن استبدالها بأي مهنة أخرى، كما أسلفنا، ثم المطاردات التي تشبه مطاردات العصابات، وتحويل رجل المخابرات المصري إلى جيمس بوند ومغامراته التافهة، وانتصاره المؤكد في النهاية هو ما كان يريده الفيلم منذ بدايته.
تصحيح الصورة
حاول الفيلم أن يصحح صورة مصر، ويوضح موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي، ومن القضية الفلسطينية داخل المجتمع الفلسطيني، فبينما يرى بعض الفلسطينيين أن مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل قد نفضت يدها من القضية الفلسطينية، لكن وفق السياسات العليا للدول، ليس كل شيء يُقال، ودع القطيع يرعى ويتكلم، يأتي الفيلم ليعكس خطأ هذا التفكير، والفكرة نفسها على قدر كبير من الحقيقة، فالصراع المصري الإسرائيلي على الأخص لم ولن تقفل ابوابه، ولابد للأجيال المصرية الجديدة أن تعي ذلك جيداً، كما أن الحكومة تريد إثبات ديمقراطيتها، من خلال عمل فني قد يتعارض مع سياساتها المُعلنة تجاه إسرائيل، كل هذا يدعونا للقول إن تعطيل تصوير الفيلم بعض الوقت من الجهات السياسية المصرية، ثم عرضه في النهاية ما هو إلا لعبة سياسية لإمساك العصا من المنتصف، فالديمقراطية المصرية تنحاز إلى الجمهور، ودقة التحقيقات والوقوف على ما قد يسوء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل يسير في إطار معاهدة كامب ديفيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق