إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، ديسمبر 16، 2010

American Faust



تناولت السينما في العديد من الأفلام طبيعة السياسة الأميركية، والعدوانية الأميركية وانتهاكاتها للحريات، والتي توّجت في النهاية بغزو العراق. ولكن السينما التسجيلية يبقى لها سماتها الفنية الخاصة في كونها سرداً توثيقياً يمثل وجهة نظر صاحبه، وأفلام مايكل مور خير دليل على ذلك، في كشف كُنه ذرائع سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومدى تشابك هذه السياسة وتوافقها مع مصالح بعض الأنظمة العربية، التي تدين ببقائها للولايات المتحدة.
فيلم "فاوست الأميركي .. من كوندي إلى كوندي الجديدة" وهو يستعرض مسيرة كونداليزا رايس، ويحملها مسئولية ضحايا السياسة الأميركية في عهد بوش الابن، والفيلم من إنتاج عام 2010، ومن
تأليف وإخراج سيباستيان دوجارت.


إنها ليست واحدة منا
جاءت هذه العبارة على لسان زنوج نيو أورليانز بعد إعصار كاترينا، فبينما هم يعانون من هذه الكارثة، كانت كونداليزا رايس أو "كوندي" ـ كما تحب أن يُطلق عليهاـ تتسوق من أفخر المتاجر الأميركية. هذا السلوك هو ما يفسر شخصية هذه المرأة، التي وصلت إلى منصب جعلها تحرك السياسة العالمية كيفما تشاء، في ظل رئيس دولة لا يفقه شيئاً في السياسة. وقد تخطت عقبتين ليسا بالهينين حتى تصل إلى هذا المنصب، أولاً بكونها امرأة، وثانياً لأنها سوداء. وقد سرد الفيلم سلوكها للتغلب على ذلك في سبيل الوصول إلى السلطة بأية طريقة، وهي التي ولدت لقس في
أكثر المدن الأميركية التي عانت في الخمسينات من التمييز العنصري بين البيض والسود.
بدأت كوندي حياتها العملية طالبة للعلوم السياسية على يد البروفيسور
التشيكي المهاجر "
كوربيل"، والذي كانت مدرسته السياسية تتلخص في أن التاريخ نتاج القوة فقط، وقد أثر الرجل في السياسة الأميركية، وكان من نتائجها حرب فيتنام، والتدخل العسكري الأميركي في أنحاء عديدة من العالم. بعدها تركت كوندي خطيبها للالتحاق بالعمل في البيت الأبيض، والذي يؤكد في الفيلم أنها قد فضلت السلطة على الحب.

ليس مهماً من أين جئت ..
            المهم أن تستطيع أن تحقق ما تريد


وبهذه العبارة التي تعتبر كمبدأ حياتي، تفسر وتبرر كونداليزا رايس سلوكها وسياستها التي انتهجتها منذ البداية، ويستعرض الفيلم هذه السياسة من خلال لقطات أرشيفية في الكثير منه، بالإضافة للشخصيات العامة التي تماست وتداخلت مع حياة كونداليزا سواء بالمشاركة أو بالتعليق على سياساتها التي باركها البعض، بينما وصفها البعض الآخر بالدموية، ومنهم .. بوش الأب والابن/
ديك تشيني/شوارزينيجر/أوبرا وينفري/شين بن/سبايك لي.
تخصصت كوندي في الشأن السوفيتي وقت الحرب الباردة، ثم تلقت
عرضاً بالعمل في إدارة الرئيس جيمي كارتر (من الحزب الديموقراطي). ولكنها أدركت أن دورها مرهون بالحرب الباردة، فتداركت الأمر ووطدت صلاتها بالمحافظين الجدد، ومجموعة صناعة الفكر بمعهد هوفر للجمهوريين، وفي فترة لاحقة التقت رامسفيلد وديك تشيني، ثم جورج بوش الأب، إلا أن فرصتها الحقيقية جاءت حينما انتوى جورج بوش الابن الترشح للرئاسة، والذي اتخذ كونداليزا مستشارته ومعلمته في السياسة الخارجية، التي كان يجهلها تماماً، والذي لا يتورع عن سؤالها في إحدى جلسات الأمم المتحدة إن كان يستطيع الذهاب إلى دورة المياه! 


مكان هذه المرأة هو السجن

من خلال التضاد بين الآراء المناصرة لسياسة كونداليزا، والمادة التسجيلية التي تفضح هذه الآراء يتم الكشف عن فساد سياسة هذه المرأة ورفاقها الذين شاركوها ارتكاب جرائم لا تحصى، بدأت كوندي جرائمها من خلال عضويتها
في مجلس إدارة شركة شيفرون للنفط، التي كانت سبباً في مجازر عنيفة في نيجيريا على يد حكومتها، دون إنكار دور الشركة في دعم السلطة الديكتاتورية لتسهيل استخراج النفط، وتعطيلها كل طلبات المستثمرين في ضرورة أن تضغط الشركة على النظام لوقف قتل المواطنين الذين يسعون للحصول على حقوقهم من نفط بلادهم.
ثم جاءت قرارتها الحاسمة من خلال موقعها كوزيرة للخارجية ومستشارة للأمن القومي، للرد على هجمات 11 سبتمبر بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، هذه الحجة الواهية التي تبددت ليحل محلها فكرة تحقيق الديمقراطية للشعب العراقي بالقضاء على صدام حسين، فتقول "لم نخض هذه الحرب لهذا السبب ولكن لأن صدام طاغية وحان وقت التخلص منه" وتدافع عن التعذيب في جوانتانامو بزعم الحرب على الإرهاب  "هل تريدون أن يسير الإرهابيون في شوارعنا"
ورغم عودة كونداليزا رايس إلى جامعة ستانفورد، إلا أن الحملات لا تتوقف بالمطالبة بمحاكمتها وشركائها كمجرمي حرب. وما كان من تعليق الممثل والمخرج شين بن إلى القول بأن "مكان هذه المرأة هو السجن" لما ارتكبته من جرائم في حق الإنسانية ستظل وصمة بحق الأميركيين إن لم تتم محاكمة هؤلاء، الذين باعوا أرواحهم بالفعل للشيطان، ليصبحوا جميعاً في شكل جديد يسمى "فاوست الأميركي"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق