إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، نوفمبر 17، 2010

حين تتنفس السينما خارج تلوث الصهيونية






شهدت السينما الإسرائيلية مؤخراً العديد من الأعمال التي وجهت نقداً قاسياً للسياسة الصهيونية، مؤكدة بذلك سعيها الدءوب للتحاور والتعايش مع العرب، عبر واقع حتمي، بغض النظر عن القرارات السلطوية المتعسفة من الجانبين. 
ربما من خلال الفن السينمائي، الذي لا يعرف الحدود، والمتنصل من دعاية رخيصة لأفكار ومؤامرات ونظريات سياسية قذرة تتبناها الصهيونية، وأبواقها التي تصم الآذان. ربما بالفن وحده يستطيع الجميع التعايش، ومحاولة فهم الآخر بمشكلاته ومعاناته، فالإنسان مهما كانت ديانته أو جنسيته يتوحد ويناضل ضد السلطة القامعة، سواء كانت صهيونية أو عربية، فلا يوجد فارقاً بينهما.

حكاية شجرة الليمون
الفيلم الإسرائيلي " شجرة الليمون " للمخرج "عيران ريكليس" يحكي في مزيج من البساطة السردية والعمق النقدي حكاية المقاومة ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية، من خلال أرملة فلسطينية تدعى سلمى زيدان، تعيش بمفردها بعد موت الزوج وهجرة الأبناء، ولم يعد لديها سوى أرض أبيها، التي تقع على الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية و"إسرائيل"، حيث الفاصل بينهما هو شجر الليمون المملوك لها، وتقرر القوات الإسرائيلية اقتلاع الأشجار كإجراء أمني، بحجة أن وزير الدفاع سيقطن في الجهة المقابلة، فتتوجه سلمى إلى القضاء الإسرائيلي بمساعدة محام فلسطيني ـ يعاني بدوره هجر زوجته ـ كي تتوقف الجرافات عن الاعتداء على أشجارها التي لا تؤذي أحداً! على الجانب الآخر تعاني ميرا نافون زوجة وزير الدفاع، من الوحدة والخوف، فهي تعيش في سجن من الحدود ونقاط التفتيش، وتفتقد ابنتها التي تدرس في الخارج، وتتابع قصة سلمى، وتتفهم حالتها، وتشعر نحوها بتعاطف صامت.

السينما المُعارضة 

ينتهج بعض من الجيل السينمائي الإسرائيلي الجديد سياسة سينمائية مغايرة، فهم ينتقدون الأوضاع، ويبحثون عن فرصة للتحاور والتعايش، بعيداً عن السياسة الرسمية للدولة اليهودية، فأفلام " عيران ريكليس " ومشروعه السينمائي خير دليل على ذلك، من البحث عن مساحة للوجود بين العرب واليهود على أرض الواقع، ومناقشة معاناة اليهود الشرقيين، وتهميشهم داخل المجتمع الإسرائيلي الأوروبي، والوضع الطبقي الحاد، الذي يعانيه يهود الشرق، فاليمين الرأسمالي يهيمن ويتحكم في الجميع، وهذا ما دعا إلى مهاجمة فيلم " شجرة الليمون" واتهام مخرجه بإرضاء اليسار الأوروبي، وأن الاعتراض على سياسة الدولة الإسرائيلية، ما هو إلا بطاقة دخول للمهرجانات العالمية. ولا يهتم "ريكليس" بهذه الاتهامات، ويعلق الأمل الأكبر على المشاهد ، الذي يقرأ الحقيقة ويُعايشها بعيداً عن وسائل الإعلام، والخوف من الآخر، ويقول " أعتقد حقاً أن الفيلم يتعلق برصد ما يجري، وان وزراء الدفاع في كل مكان يتجهون إلى القول : سنفعل هذا، ونفعل ذاك، بمعنى إزالة تلك القرية، أو الذهاب هنا أو هناك، وأعتقد أن الفيلم يقول نوعا ما: ((توقفوا لحظة!))، انظروا إلى الناس وراء القصة، ربما تتعلمون شيئاً، وربما يضعكم هذا في اتجاه مختلف ".
الفيلم إنتاج إسرائيلي ألماني فرنسي مشترك، سيناريو سهى عراف وعيران ريكليس، بطولة هيام عباس، التي جسدت شخصية سلمى زيدان، وحصلت عنها على جائزة " أوفير"، ويشاركها البطولة على سليمان في دور المحامي، دورون تابوري في دور الوزير الإسرائيلي، ورونا ليفاز في دور ميرا نافون زوجته. 
العرض الأخير 

               

من التجارب المهمة في السينما الإسرائيلية فيلم المخرج "عيران كوليرين" "العرض الأخير" الحائز على جائزة مهرجان "كان" منذ عدة سنوات بقسم نظرة خاصة، ويحكي زيارة لجوقة موسيقية تابعة للشرطة المصرية في إسرائيل، وقد أدى خطأ في لفظ الاسم العبري إلى وصول الجوقة إلى بلدة وهمية في جنوب إسرائيل تحمل اسم "بيت هاتيكفا" بدلاً من وصولها إلى المدينة الإسرائيلية المعروفة بيتاح تيكفا. ويصف الفيلم اليوم الذي يقضيه أعضاء الفرقة في هذه البلدة والعلاقات التي تتطور بين قائد الجوقة المصرية "ساسون غاباي" وصاحبة المطعم المحلي الإسرائيلية "رونيت إلكابيتس". الفيلم يصور الحياة الفظة للإسرائيليين في مدينة يحيطها الإسمنت والشوارع القاحلة من كل جانب، بالإضافة إلى العزلة التي يعيشها الجميع، من صاحبة المطعم، والرواد ، الذين يخفقون في التواصل في علاقات الحب بينهم، فالبيوت باردة، والكآبة تحط على الجميع، إلا أن هذه الروح تتغير قليلاً عند زيارة الفرقة الموسيقية المصرية، التي تبث الحياة في أهل القرية، وتجعلهم ولو لفترة قصيرة كالحلم يعرفون كيف يعيشون، فالفرقة التائهة وأموات القرية المنعزلة، بعيداً عن السياسات، والسياسيين، من الممكن أن يتعايشوا ويشعروا بالحياة معاً. الفيلم بسيط ورقيق جداً، فالموسيقى والكلمات العربية، والروح العربية والمصرية، التي يحاول صانعو الفيلم بثها في العالم الإسمنتي الإسرائيلي واضحة تماماً، فالحديث عن الأفلام السينمائية المصرية، التي تفضلها صاحبة المطعم، وغرامها بعمر الشريف وفاتن حمامة، وبحثها عن الكلمة العربية ، التي لا مرادف لها ولا إيقاع يُضاهيها في اللغة العبرية ... كلمة " العشق".
الملفت للنظر، أن الحكومة المصرية ، متمثلة في وزارة الثقافة قد رفضت ومنعت عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير، دون أن يمنع هذا السفارة الإسرائيلية، وبعد إجراءات أمنية مُشددة، وفي حالة شبه سريّة من عرض الفيلم في يوليو الماضي، بحضور مخرجه، بقاعة صغيرة بأحد الفنادق الشهيرة بالقاهرة، وبحضور أكثر من مائة شخص من الخارجية المصرية والإعلاميين ورجال الأعمال المصريين، وبالطبع لا التطبيع كان الجمهور المصري خارج الخدمة كالمعتاد، حفاظاً على ماء الوجه !
                                        
             

اتفاق غير مُعلن
ومن العجيب أن هذه السياسة نفسها يُقابل بها صناع السينما العرب، ولعل فيلم ميشيل خليفة " عُرس الجليل " أكبر دليل على ذلك، فقد حاول إيجاد صيغة توفيقية ما بين الشعبين، فكلاهما يعاني العزلة والكبت، وكلاهما خائف ومتربص، فقد انهالت على المخرج الاتهامات بعدم تحديد موقفه والعمالة، وقائمة التهم المعروفة لدى حراس الجهل من السلطويين.
الأمر نفسه تكرر مع فوز محمد الأخضر حامينا بجائزة مهرجان كان1974 ــ العربي الوحيد الذي حصدها ــ عن فيلمه " وقائع سنوات الجمر " فاتهم بمغازلة الغرب واليهود لتعاطفه مع شخصية يهودية بالفيلم، لذلك أعطوه الجائزة! وأخيراً مع المخرج يوسف شاهين في فيلم " إسكندرية ليه " الحائز على جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين 1979، واتهامه بمحاباة اليهود ، لتصويره شخصية " هنري كوريل " مؤسس الشيوعية المصرية، الذي ترك الإسكندرية رغما عنه، وواصل نضاله من باريس ، وتاريخ الشيوعية المصرية والعالمية لا يستطيع إنكار جهد الرجل، مهما اختلفت حوله الآراء.
الحالات كثيرة، والتلويح بقائمة التهم المسبقة هو أبسط الأشياء،
في يد السلطة التي اتفقت في مفرداتها وأساليبها، من قمع وتجهيل شعوبها،
حرصاً على بقائها، دون أية اعتبارات أخرى، سواء كانت دولة عربية أو إسرائيل نفسها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق