إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، نوفمبر 25، 2010

الموهوبة

  

لم تظهر هذه الأعراض فجأة، كما لم يكن مُخططاً لها أيضاً،
وكذلك لم تكن يقين مُغفل، ينتظر دوره في طابور الخالدين.
ربما لحظة كشف جاءت بعد تناول أعداد من أكواب وفناجين القهوة
ــ بالطبع في أوقات وأماكن مُتباينة جداً، لتنتفي نظرية التواطؤ ــ
تكفي لمعرفة خط ومصير جيل كامل من المخلوقات يُحاولون رجم الغيب بمخيلاتهم .
....
لن نتطرق إلى الفئة المغلوبة على أمرها، وظواهر البؤس الإنساني،
والفساد الأخلاقي والكوني. فالفضائيات تقوم بالمهمة.
والفن أرستقراطي بطبعه، رغم أنف المعاتيه.
....
لنبحث إذن عن شخصية ..
رجلاً مثلاً أو امرأة.
ستبدو المرأة أكثر جاذبية، ومثار للاهتمام، خاصة وأنتم تريدون معرفة مسارات
حياتها ــ المتعرجة بالطبع ــ من خبرات وعلاقات ومشاعر، ولحظات قوة وضعف
و ... و ... و ...
أي النساء تريدون؟
امرأة في الثلاثين، ليست مُلفتة من الوهلة الأولى، مُتسقة الملامح ومتناسقة
الأعضاء من حيث الطول والتكوينات، ولنجعلها حسيّة بعض الشيء،
فنضيف إلى اللوحة بعض من اللطشات الحمراء.
الجينز والكوتشي للعمل، والجوب أو الفستان، خاصة الأسود الذي تفضله
عند السهرات، أو الخروج ليلاً مع زوجها، أو عند زيارة إحدى قريباتها
أو مناسبة ما لدى صديقاتها المقربات.
تعذبت بحبها الأول، وقد أنهت تعليمها الجامعي بورقة رسمية تشهد لها بالنجاح،
وذكرى أليمة لن تمحى، هذا ما يُفسر دموعها التي تواصلت، لحظة ان تصدع
المنزل بأغاريد أمها يوم النتيجة ــ هذا لا ينفي أن أمها كانت صديقتها وحافظة أسرارها العاطفية ...
من هدايا بسيطة تتسم بالرقة، وصورة شخصية 6X4للحبيب المفقود،
والذ
ي في جميع الأحوال مالوش حظ في الصور،
وكارت ــ ربما بمناسبة عيد ميلادها، أو يوم إعلان مرسوم حبهما الأبدي ــ
به رسم لقلب نابض، وقد زينته الفتاة بسهمٍ يخترقه، يبدأ وينتهي بحرفي
اسميهما الأولين، وقد باركت الأم هذه اللمسة الفنية، وهي بالمطبخ تطهو الطعام
لزوجها، قائلة لابنتها إنها موهوبة.
نفسها الأم التي دعت لابنتها، وهي تخبئها في حضنها بحياة سعيدة وزواج موفق،
فأجهشت الموهوبة أكثر، ودخلت حجرتها تودع حبيبها الضائع،
فما كان من الأب إلا أن ينظر للأم في عتاب وقور بأنها ..
قد كَسَفت البنت.

المشهد هكذا يبدو عادياً جداً، ومتكرراً في الكثير من البيوت،
وقد يتماس مع الكثيرات من الفتيات أو السيدات الآن،
ويصبح جديراً بتحفيز ذاكراتهن بتفاصيل طالما ظنن أنهن دفنها بين احضان أزواجهن،
أو عشاق طرقهن المنسيين. لا يرقى المشهد إذن ليليق بافتتاحية رواية،
بالإضافة إلى الخاتمة المأسوية، بعدما أجهشت الفتاة بالبكاء.
....
وماذا عن الضحك؟
لنجعلها الفتاة نفسها ــ حتى لا يتشتت القارئ ــ ويتهمنا بالاستعراض
واللعب والسُلطة، وكل الألفاظ السخيفة، حتى يُظهر تفوقه الدائم.
فإذا كان الكاتب بتاع تلات ورقات ،فالقارئ قرداتي.
اتفقنا.
.....
كانت في فترة دراستها الجامعية مرحة ومغرورة، غرور فتاة بلهاء
ــ الغرور هنا يُطلق عليه الثقة بالنفس ــ تصادق الفتيات فقط،
حسب ما نص عليه العُرف، أو الشرع، أو وصايا الرّب أو رب الأسرة،
أو ماشابه
ــ صديقي القرداتي ..
لا تنتفي مُصادقتها الفتيات فقط، وقصة حبها الأول المغدور ــ
وبما أنها مرحة ومحبوبة من زميلاتها، ومتميزة
ــ كما ترى نفسها،لا كما يراها الآخرون ــ وفي يوم ما،
وهي تقوم بوصلة من المرح في الطريق، بين زميلاتها
رأت شخصين في ملابس سوداء .. البنطلون والقميص والحذاء،
كانا يقفان على ناصية الطريق الأخرى، يدخنان في شراهة.
فأخذت تومئ وتضحك وتضحك وتضحك من منظر مندوبي عزرائيل،
الغارقان في السواد.
وهذا ما كفل لها بالطبع أن توْسَم دائماً بالتميز وخفة الدم ...
.... وتخرجت، وتزوجت.
وبينما تقوم بالواجب الزوجي ــ متناسية حبها الأول ــ
وأصبحت تلجأ لرّب آخر، بالكاد يساعدها على التعرف إلى جسدها،
تاركاً لها مساحة لإظهار التميز والتفوق، فارتضى أن تعتليه،
صعوداً/هبوطاً، عاضة على شفتيها ــ وهو تعبير سوقي، ولكنه فعل لا إرادي ــ
مُغمضة عينيها، هنا تذكرت هذين الغرابين مندوبي الموتى،
فانفرجت شفتيها بابتسامة في بادئ الأمر، ثم انفجرت بالضحك،
فما من حارس التميز وقد شعر بنصل ضحكاتها وقد اخترق خصيتية،
فانفزع، ساحباً من تحتها ما تبقى له من سيف،
ثم ارتدى ملابسه جالساً قبالتها يدخن، وأصبح صوته كالاسطوانة المشروخة،
يُكرر سؤالاً واحداً :
"بتضحكي على إيه"
وعبثاً حاولت إقناعه أن تميزها وروحها المرحة،
هما من أتاحا لها اكتشاف شبحَي الضحك.
حكت له القصة وهي تغالب ضحكاتها حتى وصل إلى منتصف
سيجارته الثالثة، وتفاصيل ما حاكته كانت تحترق داخل خلايا دماغه أسرع
من تبغه المنطفئ، ولم يصدقها .
وبينما يقترب من نهاية سيجارته الرابعة،توصلت هي إلى هدنة مع الصمت،
جاهدتها، حتى همّ بإشعال سيجارته السادسة،عندها بدأت المتميزة بالبكاء.
وفي اللحظة نفسها تعالى ضحك رجلان يسيران على كورنيش النيل،
يرتديان اللون الأسود المفضل لديهما.


هناك تعليق واحد: