(1)
نظـرت لموطئ قدميّ لأجد رباط حذائي الأيسر قد انفك. لاحظت أنه ينفك كثيراً
في الآونة الأخيرة؛ فهو - في ما يبدو - على خلاف مع طرفه الآخر.
أردت أن أصلح بينهما، لكن قررت أن أتركهما لفترة حتى يهدآن قليلا ...
كان طرفي رباط حذائي السابق على خلاف مستمر؛ مما يتسبب في تعـثري دائما.
ينطفئ عود ثقابي الثاني دون أن أستطيع إشعال لفافة تبغي الرخيصة.
لم أجد سوى أن أتفحص الجالسين أمامي، عند مبنى مجمع التحرير ...
شعرت بدفء بين الشاب والفتاة برغم برودة الجـو.
رأيت العلاقة الحميمة بين أصابعه والإيشارب المنسدل على كتفيها.
ابتسمت... ترك لي الهواء فرصة لأشعل سيجارتي،
بعد أن أنّبه ضميره؛ فخـرج الدخان مختلطـا ببخـار الماء بدون أية مسافة بينهما ...
كانت هناك حقيبة جلدية تتوسط الفتى والفتاة، على بعد ما من ذي الأصابع وذات الإيشارب.
تسللت برودتها إلي،
تحاول أن تقترب من الفتى - الذي استكانت أصابعه على ركبتيه -
وتتلمس الدفء؛ لكن المسافة التي فرضتها صاحبتها منعت ذلك.
انكمشت من البرودة الشديدة كما انكمش الشاب الجالس وحيدا،
يراقب ما حوله. بدى لي وحيدا...
خرج الدخان الممتزج ببخار الماء في بطء، لتتشوش الرؤية أمامي.
(2)
أطفأت سيجارتي العاشرة تقريبا، ألقى الغراب الواقف على الشجرة بسلامه،
رددت عليه السلام وابتسمت..
هبط واقترب مني في خطواته الهادئة. أخبرني أنها لن تتأخر؛ فهي في طريقها،
ابتسمت، حذرته من أن يطأ أعقاب سجائري، التي لم أطفئ بعضها، ابتسم،
وبدأ يتلو كلماته إليّ ...
(3)
"كنت أنتظرها قبل الموعد بساعة كاملة. كان الله يحمينا و يستمع إلى كلماتنا؛
فنشعر برحمته تهبط علينا في رفق، ونبتسم...
ويوماً ما اصطحبنا نوح، طلب أن أبحث له عن اليابسة، طرت أبحث،
لكن لم أتعرّف طريق عودتي... وصـار لدي مهمتي المقدسة،
التي لن أنقطع عنها حـتــ...
الآن عليك أن تطفئ سيجارتك، فهي تكره أن تراها معك "
(4)
ابتسمت، فبادلتني الابتسام وهي تمد خطاها نحوي. ألقت إليّ بصباح الخير،
أدركت أن وضوءها سيصيب أصابعي بالبرد، ابتعد الغراب بخطو بطيء كي لا ألاحظه،
سألته البقاء، فأجابني بأن عليه الذهاب إلى حيث يجلس آخر، في مكان آخر،
ليهون عليه ساعات انتظاره...
ثم ألقى بسلامه وانطلق إلى مهمته المقدسة...
أخبرتني عن رؤيتها المتكررة لغراب، ابتسمت، نظرت إلى حقيبتها التي توسطتنا؛
لتستمع إلى كلماتي …
وشعرنا بالرحمة تهبط علينا في رفق.
(5)
ألقتْ نظرة على ساعتها، وهي تنقر بأصابعها الدقيقة على حقيبتها الجلدية
- التي لا تنقض وضوئها ـ اقترب منها الغراب في خطواته الهادئة،
وألقى إليها بسلامه. ردتْ عليه السلام...
ابتسم، ثم بدأ يتلو عليها كلماته .
(6)
ذهب يبحث عن أرض جديد ة وسيعود.
تشممي الهواء ؛ لتتعرفي على رائحة تبغه المحترق...
استمعي إلى تراتيله إليك، وابتسمي، لتهبط عليه رحمة الله ويبتسم.
انتظريني؛ لأقص عليك ما يفعله. تحسسي الإيشارب لتلمسي دفء أصابعه،
حادثيه فهو منصت إلى كلماتك. صار الآن معك في كل مكان ...
وقبل أن تغلقي عينيك تمتمي بالفاتحة ...
هذه هي مهمتك ..
المقدسة .
قصة / إسلام عبد الرحيم
نظـرت لموطئ قدميّ لأجد رباط حذائي الأيسر قد انفك. لاحظت أنه ينفك كثيراً
في الآونة الأخيرة؛ فهو - في ما يبدو - على خلاف مع طرفه الآخر.
أردت أن أصلح بينهما، لكن قررت أن أتركهما لفترة حتى يهدآن قليلا ...
كان طرفي رباط حذائي السابق على خلاف مستمر؛ مما يتسبب في تعـثري دائما.
ينطفئ عود ثقابي الثاني دون أن أستطيع إشعال لفافة تبغي الرخيصة.
لم أجد سوى أن أتفحص الجالسين أمامي، عند مبنى مجمع التحرير ...
شعرت بدفء بين الشاب والفتاة برغم برودة الجـو.
رأيت العلاقة الحميمة بين أصابعه والإيشارب المنسدل على كتفيها.
ابتسمت... ترك لي الهواء فرصة لأشعل سيجارتي،
بعد أن أنّبه ضميره؛ فخـرج الدخان مختلطـا ببخـار الماء بدون أية مسافة بينهما ...
كانت هناك حقيبة جلدية تتوسط الفتى والفتاة، على بعد ما من ذي الأصابع وذات الإيشارب.
تسللت برودتها إلي،
تحاول أن تقترب من الفتى - الذي استكانت أصابعه على ركبتيه -
وتتلمس الدفء؛ لكن المسافة التي فرضتها صاحبتها منعت ذلك.
انكمشت من البرودة الشديدة كما انكمش الشاب الجالس وحيدا،
يراقب ما حوله. بدى لي وحيدا...
خرج الدخان الممتزج ببخار الماء في بطء، لتتشوش الرؤية أمامي.
(2)
أطفأت سيجارتي العاشرة تقريبا، ألقى الغراب الواقف على الشجرة بسلامه،
رددت عليه السلام وابتسمت..
هبط واقترب مني في خطواته الهادئة. أخبرني أنها لن تتأخر؛ فهي في طريقها،
ابتسمت، حذرته من أن يطأ أعقاب سجائري، التي لم أطفئ بعضها، ابتسم،
وبدأ يتلو كلماته إليّ ...
(3)
"كنت أنتظرها قبل الموعد بساعة كاملة. كان الله يحمينا و يستمع إلى كلماتنا؛
فنشعر برحمته تهبط علينا في رفق، ونبتسم...
ويوماً ما اصطحبنا نوح، طلب أن أبحث له عن اليابسة، طرت أبحث،
لكن لم أتعرّف طريق عودتي... وصـار لدي مهمتي المقدسة،
التي لن أنقطع عنها حـتــ...
الآن عليك أن تطفئ سيجارتك، فهي تكره أن تراها معك "
(4)
ابتسمت، فبادلتني الابتسام وهي تمد خطاها نحوي. ألقت إليّ بصباح الخير،
أدركت أن وضوءها سيصيب أصابعي بالبرد، ابتعد الغراب بخطو بطيء كي لا ألاحظه،
سألته البقاء، فأجابني بأن عليه الذهاب إلى حيث يجلس آخر، في مكان آخر،
ليهون عليه ساعات انتظاره...
ثم ألقى بسلامه وانطلق إلى مهمته المقدسة...
أخبرتني عن رؤيتها المتكررة لغراب، ابتسمت، نظرت إلى حقيبتها التي توسطتنا؛
لتستمع إلى كلماتي …
وشعرنا بالرحمة تهبط علينا في رفق.
(5)
ألقتْ نظرة على ساعتها، وهي تنقر بأصابعها الدقيقة على حقيبتها الجلدية
- التي لا تنقض وضوئها ـ اقترب منها الغراب في خطواته الهادئة،
وألقى إليها بسلامه. ردتْ عليه السلام...
ابتسم، ثم بدأ يتلو عليها كلماته .
(6)
ذهب يبحث عن أرض جديد ة وسيعود.
تشممي الهواء ؛ لتتعرفي على رائحة تبغه المحترق...
استمعي إلى تراتيله إليك، وابتسمي، لتهبط عليه رحمة الله ويبتسم.
انتظريني؛ لأقص عليك ما يفعله. تحسسي الإيشارب لتلمسي دفء أصابعه،
حادثيه فهو منصت إلى كلماتك. صار الآن معك في كل مكان ...
وقبل أن تغلقي عينيك تمتمي بالفاتحة ...
هذه هي مهمتك ..
المقدسة .
قصة / إسلام عبد الرحيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق