سيظل الوضع السياسي
والإقليمي لدولة مثل إيران مثار جدل كبير، سواء بالنسبة لدول الشرق الأوسط، أو
الغرب. إيران التي اتخذت من الإسلام دينها الرسمي، ورفضت لغته العربية، وبعد
الثورة الإيرانية أصبحت دولة دينية، لايماثلها في العالم سوى إسرائيل! والسؤال هو
.. أين تقف التيارات السياسية في إيران من هذا النظام؟ أين كانت قبل الثورة وماذا
أصبحت؟ هذا التساؤل هو ما دار حوله كتاب "التيارات السياسية في إيران"
لمؤلفته فاطمة الصمادي، والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو
بحث أكاديمي مُحكَم، تناول وضع هذه التيارات وتحول خطابها في ظل ثورة دينية غيّرت
من وجه إيران تماماً، وكأن ما كان قبل العام 1979 قد أصبح من الأساطير.
حُراس التقاليد وسلطة
التحديث
تبدأ المؤلفة بحثها بمراجعة
تاريخية للأوضاع السياسية والاجتماعية قبل الثورة الإيرانية، لنجد أن صراعاً
مزمناً كان قائماً بين رجال الدين بصفتهم الحارس للتقاليد الإسلامية،
وبين الطبقة الحاكمة باعتبارها القائمة على التحديث السياسي والاجتماعي، الأمر
الذي قاد إلى فجوة عميقة بين التوجه نحو الدين والتوجه نحو الدنيا. إضافة إلى
مواجهة أخرى قائمة على الدوام بين القوى الأصولية والتقليدية من جهة والقوى
الإصلاحية من جهة أخرى، والمتمثلة بالأساس في التيارات الماركسية، التي تم القضاء
عليها وتصفيتها بعد استتباب الأمر لسلطة رجال الدين، وقد تم استغلال التيارات
السياسية اليسارية في البداية مثل التيار الماركسي (حزب تودة) والتيار اليساري
الإسلامي (مجاهدو خلق)، لمواجهة الولايات المتحدة والغرب كحلفاء لآخر حاكم من أسرة
بهلوي. والذي قامت سياسته على تقسيم المجتمع الإيراني إلى قسمين، فوضعت الطبقات
والقوى التقليدية في مواجهة مع القوى الاجتماعية الجديدة، ليحدث الصدام بين قوى
السوق التقليدية ورجال الدين والعشائر من جهة، وبين القوى الاجتماعية الحديثة
المدعومة من الشاه من جهة أخرى.
مع ملاحظة أن هذه الصراعات لم تكن قاصرة فقط على الطبقات
الاجتماعية، بل امتدت إلى الدين والدولة، وإلى المذاهب والطوائف، والأعراق والقوميات
واللغة، خاصة في مجتمع يُقسّم عرقياً ولغوياً إلى ست مجموعات .. الناطقون
بالفارسية (50%)، الأذريون الترك (23%)، الأكراد (11%)، العرب (5%)، البلوش (3%)،
التركمان (3%).
ترى المؤلفة أن المشهد الحزبي في إيران بصورة عامة اتسم
بالضعف والانقسام، مما جعلها تفقد مصداقيتها بالنسبة لعامة الناس، وكذلك لعدم قدرة
أي منها على إيجاد التغيير الاجتماعي المنشود. كما أن المجتمع الإيراني منقسم بين
الاتجاه المطالب بالديمقراطية والتعددية واتجاه متمسك بالأحادية والتبعية في سبيل
تحقيق الاستقرار.
وقد ساعد في هذا الموقف المسألة المزمنة الدائرة حول
"ولاية الفقيه" فالجدل بشأن ولاية الفقيه رافق الثورة الإيرانية منذ
بدايتها، وأن التيار الإصلاحي يرى في الخميني ولياً فقيهاً وليس في من سيخلفه، إضافة
إلى وجود اتجاهات مناهضة داخل إيران يمثلها "المستنيرون" تدعو إلى فصل
الدين عن السياسية. من ناحية أخرى ومن المنطلق نفسه نجد أن التيار الأصولي هو وليد
تيار اليمين الإيراني، ويلتزم هذا التيار ولاية الفقيه المطلقة ويؤمن بدور أكبر
للدين في السياسة وبدور في حدّه الأدنى لتدخل الدولة في الاقتصاد، والتحول الذي
شهده هذا التيار مع وفاة الخميني يكمن في الاستعداد للتحاور مع الولايات
المتحدة. أما تيار الإصلاحيين فقد غاب عن المشهد السياسي الإيراني وذلك بفعل سياسة
الإقصاء، والفشل في وضع خطاب إصلاحي موحد.
"الحركة الخضراء" التي شهدتها إيران عقب
الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009 والتي جددت ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد، لم
تكن امتداداً للحركة الإصلاحية الإيرانية، ولكنها ــ حسب المؤلفة ــ جاءت في إطار
المخطط الخارجي لدعم "ثورة مخملية"، والقيام بـما يسمى "إسقاط
ناعم" للنظام الإيراني.
وبينما تتشابه الحركة الخضراء والتيار النجادي في كونهما
يأتيان خارج تصنيف اليمين واليسار، وكذلك خارج الأصولية والإصلاحية، كما يستند كل
منهما إلى قاعدة شبابية قوية، إلا أن التيار النجادي يُعد تياراً مستقلاً عن
التيار الأصولي الإيراني، والدليل على ذلك هو كيفية مجيء نجاد إلي كرسي الرئاسة
وخلافه مع هاشمي رفسنجاني وقضية العدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد، والخطاب
المهدوي، إذ يعتبر نجاد أن وظيفته تكمن في تهيئة الأرضية لظهور "المهدي
المنتظر".
وهذا بدوره يُفسر العداء بين نجاد ورجال الدين، وخلافه مع
التيار الأصولي بشأن السياسة الاقتصادية والعلاقة المضطربة بأميركا، لنشهد بعد ذلك
التحول الذي طرأ على الخطاب النجادي، من خطاب إسلامي الصبغة إلى خطاب قومي إيراني،
موظِفاً التاريخ والحضارة الفارسية في فترة ما قبل الإسلام بصورة أغضبت رجال الدين
كما لم يحدث من قبل. ليصبح لنجاد تياراً سياسياً ذو ملامح خاصة يمكن أن تطلق عليه
تسمية "تيار العدالة". وهذا التيار لا يعير الديمقراطية اهتماماً جدياً،
ولا يروج للدولة الديمقراطية، بل يدعو إلى الدولة الدينية كنموذج للحكم في مواجهة
النموذج الغربي للدولة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق