Django
unchained لكوينتن تارانتينو ...
عودة إلى
الويسترن والخيال الشعبي للتاريخ الأميركي
"جانجو طليقاً" إعادة لنوعية أفلام الويسترن، التي اشتهرت بها السينما الأميركية،
بما أنها تصوّر حكايات من التاريخ الاجتماعي الأميركي، هذه النوعية التي خبَت الآن
يستعيدها تارانتينو، ليحكي من خلالها الخيال الشعبي لهذا التاريخ، محاولاً التساؤل
وجودياً ــ وهو سؤال افتراضي بما أننا نتحدث عن الخيال ــ لماذا لم يقم العبيد
بثورة على تجار الرقيق؟ ولماذا انتظروا الحرب الأهلية التي انتهت بتحريرهم؟
العدالة على الطريقة الأميركية
تدور أحداث الفيلم في العام 1858، قبل عامين من الحرب الأهلية
الأميركية. يقوم طبيب أسنان ألماني يدعى كينج شولتز (كريستوفر والتز) بتتبّع
الخارجين على القانون، ليقتلهم ويحصل على المكافأة التي قررتها إدارة العدل
الأميركي، فهو في النهاية يشبه تجار العبيد، لكنه يشبه أكثر ويتمثل رجال قانون ذلك
العصر.
يبحث الطبيب عن (عبد) يعرف جيداً ثلاثة من الخارجين على القانون،
يجده، ثم يعقد معه صفقة، بأن يقوم بإرشاده على مكانهم وشخصياتهم، ويعطيه الرجل
حريته في النهاية. ويتم ذلك بالفعل، ويصبح العبد جانجو (جيمى فوكس) حراً. لكنه
يريد تحرير زوجته، فتبدأ رحلة الطبيب وجانجو للبحث عن الزوجة، وفي طريقهما يقومان
بصيد الخارجين على القانون وتحصيل أموال المكافآت التي لا تنتهي. حتى يصلا إلى
مكان توجد به الزوجة، والتي تعمل لدى تاجر عبيد يمتلك من القسوة والذكاء بمقدار
وسامة ملامحه كالفن كاندى (ليوناردو دى كابريو)، الذي لا يتورّع بقتل أحد عبيده
بأن تأكله الكلاب حياً، لأنه حاول الهرب.
يحاول الطبيب وجانجو أن يصطنعا حكاية شراء عبيد أقوياء، حتى لا يبدو
مقصدهم ظاهراً في شراء زوجة جانجو، كي لا يرفض كاندي، لكن خادمه العجوز ستيفن
(صامويل جاكسون) يكتشف الخدعة، فهو عبد أسود، لكنه أشد قسوة وشراسه من سيده
الأبيض. وتقوم معركة دامية ــ كمعظم معارك تارانتينو ــ يُقتل خلالها الطبيب، ويتم
القبض على جانجو، لكنه يستطيع الهرب والعودة مرّة أخرى لتخليص زوجته برومهيلدا
(كيرى واشنطن)، وتفجير قصر العبودية هذا بالديناميت، وكأنه ينهي فصلاً دموياً من
تاريخ يود نسيانه.
حضارة الدماء
السؤال الهام الذي أثاره "تارانتينو" كما أسلفنا
هو .. لماذا لم يثر العبيد الأفارقة على الرجل الأبيض في أميركا، لماذا لم يحاولوا
ويناضلوا في سبيل ذلك؟ وهذا ما جعل من الفيلم الذي يتخذ نوعية الويسترن الشعبي
مختلفاً عن أفلام الويسترن السابقة، التي دوماً كانت تحاول تحقيق العدالة عن طريق
رجل القانون وصراعه ضد الخارجين عليه. يبحث تارانتينو من خلال إعادة صياغة التاريخ
وفق هواه، من خلال صيغة التساؤل "ماذا لو حدث ذلك" فقصة العبد الذي تحرر
لم تحدث كحقيقة تاريخية، وانتظر العبيد طويلاً حتى انتهت الحرب الأهلية، وصدور
قانون رسمي بتحريرهم.
كما جسّد المظهر الدموي والانتقامي لرجل الأميركي من خلال
شخصية "كالفن كاندي"، الذي يتلذذ بمشاهدة مصارعة العبيد، حتى يقضي أحدهما
على الآخر تماماً، كما كان يحدث في العصر الروماني. إضافة إلى فلسفته التي شرحها
لضيفيه "الطبيب وجانجو" بعدما اكتشف أنهما يخدعانه، فقام باستخراج جمجمة
قال إنها لعجوز، كان خادماً له ولأبيه، الذي ورثه عن جده، هذا الخادم لم يفكر
أبداً في الثورة على وضعه هذا، ويفسر كاندي السبب وهو يقوم باقتطاع جزء من جمجمة
الرجل قائلاً "إن ثلاث نقاط محفورة فى جمجمته تثبت
أن الجنس الأسود أكثر قابلية للخنوع من الرجل الأبيض، بينما النقاط الثلاث تتحول
فى جماجم الجنس الأبيض إلى مناطق للإبداع والعبقرية كجاليليو مثلاً".
الرجل يفسر الأمر من وجهة نظر الإنثربولوجيا ــ
المغلوطة بالطبع ــ ولكن ألم تكن هذه النظرة القديمة هي نفسها الآن وإن اختلفت
وتحولت إلى نظرة سوسيولوجية ــ مغلوطة أيضاً ــ بحيث أصبح الأميركي ينظر إلى الآخر
وكأنه من جنس أدنى، وكأنه قدره منذ ميلاده، دون أن يستطيع الفكاك منه؟! فالفيلم
صراع بين فئة موهومة بمصادفة التفوق، مقابل أخرى تتغافل عن اكتشاف قوة روحها
وعدالة قضيتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق