إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، يونيو 18، 2013

الديمقراطية على الطريقة الإسلامية

لا يريد المتأسلمون الاعتراف بأن الحضارة الإسلامية كانت إحدى الدورات الحضارية في التاريخ وقد انتهت، كالحضارة اليونانية والرومانية وهكذا. وأن محاولة استنساخ أشكال تلك الحضارة في وقتنا هذا درب من العبث غير المحتمل. لكنهم يحاولون استحضار آثارها لتطبيقها على واقعنا اليومي، وهم بذلك يسقطون في مشكلة مزمنة تقع بين الشعارات والواقع الفعلي، هذا الواقع الذي يفضح زيف استخدام هذه الشعارات، مثل تطبيق الشريعة وحلم عودة الخلافه، ليُظهر حقيقة السعي والهرولة للاستحواذ على أكبر عدد من الأتباع، وصولاً إلى السُلطة المفقودة، وذلك باستخدام كافة الأساليب البراجماية، التي تتنافى ومفهومهم الديني، حتى وإن كان مُلفقاً. وفي كتاب بعنوان "الإسلام والديمقراطية"، الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، نستعرض بحثاً لحيدر إبراهيم، عنوانه "الديمقراطية عند الإسلاميين بين الإيديولوجية والبراجماتية"، لأهميتة في كشف الكثير من مزاعم الإسلام السياسي، والتيارات المتأسلمة، التي لا هدف لها سوى الوصول والاستيلاء على السُلطة، مهما كانت الطريقة، حتى وإن خالفت عقائدهم.

 

إنفصام الخطاب والممارسة

نغمة المتأسلم دوماً هي تطبيق الشريعة، التي سيجد فيها الجميع تحقيق العدل والمساواة وبالتالي الحرية، ولا يكل عن استخدام النصوص العقائدية كالقرآن والسُنة، للتدليل على ذلك. فتصبح مقاصد الشريعة فوق أهداف الدولة. وبمجرد الوصول إلى الحُكم نجد المتأسلمين وقد رضخو للواقع، واستخدموا الأساليب النفعية لتحقيق غاياتهم، عند بحثهم عن حلول للمشاكل الفعلية (أصبح الربا حلالاً فجأة، عندما طلبت حكومة الإخوان في مصر قرضاً من صندوق النقد الدولي). وبذلك نجد المتأسلمين يسعون دوماً إلى مخاطبة العواطف بدلاً من العقل، حتى يتحقق لهم الانتشار والشعبية المطلوبة لمواجهة خصومهم، بغض النظر عن مناقشة صحة الأفكار التي يستندون إليها في عمليات التجييش هذه، ومن هنا تصبح المسألة عبارة عن عملية إيديولوجية بحتة. ثم يأتي الفصام عند تطبيق العقائدي على الواقع الحياتي، فالخلاف والنقاش لا يدور حول ما قال الدين أو ما قالت النصوص المقدسة، بل حول كيف مارس المسلمون هذا الدين وكيف عاشوه في التاريخ والحاضر؟ فالمشكلة ليست ماذا ورد في النص، بل كيف مشى المسلمون بهذا النص على الأرض ومارسوه في حياتهم اليومية؟ وهذا هو الانفصام بين الخطاب والممارسة، ومن هنا تتسرب البراجماتية. فالخطاب المعلن يقول شيئاً يصعب تطبيقه وهنا يبحث المتأسلمون عن المبررات لشرح ما فعلوه مخالفاً لما قالوه، فيميل مفكروهم دوماً إلى البحث عن التبريرات وليس الأسباب. فالشعارات النبيلة المرفوعة تنكشف عند التطبيق. لذلك نجد النتيجة الطبيعية هي بحثهم الدائم عن عمليات التوفيق والتأصيل، كمحاولة لإيجاد نسب لأفكار سابقة وقديمة في واقع حديث من خلال إعادة تفسيرها وتأويلها بقصد التكيف والملائمة ورفع التناقضات، فنجد محاولات توفيقية ــ نفعية في أساسها ــ مستميتة، لتخرج علينا مفاهيم ومصطلحات هي خليط تراثي حداثي (عملية أسلمة) تؤدي إلى المزيد من الإرباك أكثر من الحل، مثل ... الليبرالية الإسلامية، والتقدميين الإسلاميين واليسار الإسلامي.

الديمقراطية الإسلامية

لم يعرف الإسلام الديمقراطية، بغض النظر عن كونها مفهوماً حداثياً، ولكن هناك خلافاً عقائدياً، ينأى الإسلام بنفسه عنه، ذلك لكون "الديمقراطية" هي حُكم الشعب، وهي ما يُخالف ما استقر عليه الفقه، والتنظير المتأسلم للقضايا الراهنة، بأن يسيطر مفهوم "الحاكمية" على تنظيم العلاقة بين الدولة والشعب، أو الرعيّة كما يحب فقهاء التأسلم. لكن الملاحظ أن أصحاب هذا الفكر ظلوا لفترة طويلة يرفضون إقحام مفاهيم مثل الديمقراطية والاشتراكية في الفكر السياسي الإسلامي، إلا أن التطورات المعاصرة اضطرتهم إلى الخوض في المحظور وتخطية ــ التبريرات تثير الشفقة أكثر من الدهشة ــ لذلك حاول بعض المفكرين تكييفها أو أسلمتها وتأصيلها. فنجد البعض منهم يستخدم مفهوماً جديداً أطلق عليه "الشورقراطية"، حاول فيه مزج مصطلحي الديمقراطية والشورى، قاصداً أن "الشورى ترشد الديمقراطية وأن في الديمقراطية حسنات لابد أن نأخذ بها". أما "حسن الترابي" فهو المثال لمسألة التوفيق والنفعية، أسلمة مصطلح الديمقراطية المستورد هذا، فيقول "إن الموقف الأوفق من استعمال الكلمات الوافدة رهين بحال العزة والثقة أو الحذر والفتنة. أما وقد تجاوزنا غربة الإسلام وغلبة المفهومات الغربية بكل مضامنيها وضلالها. فلا بأس من الاستعانة بكل كلمة رائجة تعبر عن معنى وإدراجها في سياق الدعوة للإسلام ولفها بأطر التصورات الإسلامية حتى تسلم لله وتكون أداة تعبير عن المعنى المقصود بكل أبعاده وملازماته الإسلامية وعندئذ يقال: إن المعاني أهم من المباني وإن العبرة ليست بالصور والألفاظ وإنما بالمعاني والمقاصد".
 
 
وبهذا ينتفي عن المتأسلمين الحرج العقائدي بين الديمقراطية والشورى، فيمارسو السياسة بكل قواعدها الحديثة، في سبيل الوصول إلى السلطة، وبكافة الوسائل، والتي في الغالب لم ولن تكون مقبولة أخلاقياً، أو حتى وفق نصوصهم المقدسة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق