الغرام
الإسلامي على الطريقة الأميركية
يبدو أن الصِبغة الإسلامية أصبحت ترافق جميع الأنشطة الإنسانية، بداية من
الطعام الحلال، مروراً بالماكياج الحلال، ووصولاً إلى الخمر الحلال. إلا أنها امتدت
هذه المرّة لتصبح ظِلاً للعواطف والمشاعر، في محيط المسلمين ومَن يتعاملون معهم،
حيث تتصدر الهوية الدينية الواجهة منذ البداية. وسيصبح الأمر أكثر إثارة إذا وضِعت
امرأة مسلمة تحت مجهر البحث، لتتحدث عن إحساساتها وتجارب علاقاتها الحميمة، لتتسرب
الدهشة من وراء حجابها أو نقابها، وتطالع الجميع الذين يردّوا قائلين ... رغم
كونها مسلمة، فهي امرأة تتحدث عن مشاعرها وجسدها!
الحب ... إن شاء الله
ذاع صيت كتاب شبه أدبي، صدرت طبعته الرابعة منذ فترة في الولايات المتحدة،
بعنوان "الحب إن شاء الله"، وهو عبارة عن مجموعة من حكايات 25 امرأة
مسلمة أميركية، مقتبسة من اعترافات نساء مسلمات من مختف أنحاء الولايات المتحدة، ينحدرن من
مختلف الأعراق الإسلامية، بداية من منطقة الشرق الأوسط، إلى بلدان آسيا، مرورا عبر دول شرق إفريقيا. والكتاب
من عنوانه يبدو توافقياً إلى حدٍ كبير، ما بين لفظة "الحب" والمشيئة
الإلهية، الدالة على الهوية الدينية. يسرد الكتاب حكايات هؤلاء النسوة المسلمات،
داخل مجتمع متنوع الأعراق والأعراف، وعن كيفية التوفيق بين حيواتهن الخاصة
وتعاليمهن الدينية في مناخ شديد التلون. بداية من وقوعهن في الحب، ووصولاً إلى
نتائج متباينة كما يحدث في سائر مثل هذه العلاقات الإنسانية، التي لا تخضع لأية
ديانة أو أفكار إيديولوجية موهومة. منها على سبيل المثال حكاية أنجيلا كولينز
تيليس، البالغة من العمر 36 عاماً، والتي انخرطت في علاقة غير شرعية مع برازيلي
مسيحي، قبل أن تتطور الأمور إيجاباً ــ من وجهة نظرها ــ عندما اعتنق هذا الأخير الإسلام عن
قناعة، ليتزوجا وينجبا الأطفال.
وقد قامتا بتحرير
الكتاب كل من عائشة ماتو/مستشارة تنمية دولية وكاتبة، ونورا مازنافي/محامية حقوق
مدنية ومؤلفة، وكلتاهما أميركية المولد لمهاجرين مسلمين.
العالم الافتراضي
ومحاولة تصحيح الصورة
نظراً للنجاح الكبير
الذي حققه الكتاب، بعدما هللت له العديد من الصحف الأميركية الكبرى، سعت محررتا
الكتاب إلى بناء مجتمع افتراضي عبر القراءات الشخصية وجلسات السكايب. وتقول
المحررتان إن حوالي ثلث المشاركين في هذه الأحداث هم من غير المسلمين.
"أخبرتنا امرأة أنها رأت بعد قراءة المجموعة القصصية امرأتان مسلمتان تلبسان
النقاب، وأنها رأتهما للمرة الأولى على أنهما نساء لهن نفس الرغبات والمشاعر التي
تملكها النساء جميعاً. لم تدرك حتى تلك اللحظة أنها كانت تراهُن كشيء مختلف، لا
علاقة له قبل قراءة المجموعة القصصية ... فهذه الحكايات تسمح للناس من ديانات
وخلفيات مختلفة التواصل عاطفياً مع المرأة المسلمة"
ويبدو من هذه العبارات
أن المجتمع الأميركي يضع هؤلاء النساء موضع الإدانة من البداية، والتجهيل سواء بقصد
أو بدون، وفقاً لما تفعله الميديا بعقول الشعب الأميركي. هذا من ناحية، أما الجهة
الأخرى التي لا يستطيع العمل الفكاك منها، هو شعوره بالاتهام، وفرحه الطفولي
الساذج أنه استطاع التخلص من الصورة المغلوطة لنساء تصادف وقوعهن في خانة الإسلام.
نغمة استشراقية أخرى
من الجيد أن يحكي
الإنسان عن مشاعره صراحة، وهو ما يتطلب قدراً من الشجاعة والحرية، والتجارب
الأدبية الغربية مثالاً لا يُنكر في هذا المجال، أما المدهش في الأمر أن التجارب
العربية تسبق الغرب في هذا ــ قلنا تجارب حتى تنتفي المقارنة بين القيمة الأدبية
لمثل هذه النوعية من الكتابة ــ بداية من شاعرات عربيات لحقن الجاهلية وعِشن في ظل
الإسلام، وصولاً إلى عصرنا الحالي. ولكن الغرب دوماً ينظر إلى نساء الشرق في
نمطية، توصف دوماً بالسخف، وهو ما يجعله يقع في تناقض سافر، لا تستطيع العقلية
الغربية والأميركية خاصة تخطي عقباته. فالشرق دوماً هو المرأة الغامضة والمحجوبة
ومصدر الرغبات والتجارب الجنسية الحافلة ــ كأداة ليس أكثر ــ ولكن اليوم وقد أضيف
الإسلام إلى المعادلة، فأصبحت هذه المرأة مغلوبة على أمرها، لا تستطيع التعبير عن
مشاعرها، وكأن وجهة النظر الاستشراقية قد سبقت الإسلام!
المسألة لا تعدو نموذجاً للمرأة المسلمة بوجهة نظر
أميركية، وهو ما يجب أن تكون عليه بالنسبة لباقي النساء المسلمات، متعللين بأن هذه
الحرية هي نتاج التربية والمزيد من الاستقلالية، حتى تتمكن المرأة المسلمة من
النضال من أجل إحداث نوع من التوازن بين التقاليد الاجتماعية وخيارات الروح
والجسد. تماماً كالاحتفاء الزائف إذا ما طالعنا اعترافات راهبات الأديرة وما شابه،
وهو مأساة وضع الدين كواجهة قبل التعامل مع فعل إنساني ــ وجد قبل الأديان ــ
وخاصة إذا كان من أرقى الأفعال ... وهو الحب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق