إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، يونيو 20، 2013

في "الدين والتدين" لـ عبد الجواد ياسين ...
كارثة أن يتحول النسبي إلى مُطلق


"التديّن" هو فعل اجتماعي، تمارسه جماعة من البشر، يخضع لسلوكها ومفهومها وبيئتها الجغرافية والسياسية، ومن قبل إلى تراثها السابق الممتد. وهذا الفعل يدخل تحت إطار "النسبي"، فهو يختلف من جماعة لأخرى، ومن تراث لآخر. أما "الدين" فهو "المطلق" من تعاليم توحيدية، تؤمن بالإله الواحد الذي لا شريك له. ومن خلال استقراء تاريخ الأديان التوحيدية الكبرى (اليهودية والمسيحية والإسلام) نلحظ تحوّل التدين إلى دين، وبالتالي يصبح النسبي الاجتهادي مُطلقاً مُقدساً، وهو ما يُفسر المأساة التي يعيشها أصحاب هذه الديانات، من مفاهيم وسلوكات مغلوطة. هذه الأزمة يبحثها كتاب "الدين والتدين .. التشريع والنص والاجتماع" لمؤلفه "عبد الجواد ياسين"، والصادر مؤخراًعن دار التنوير اللبنانية.

من النسبي إلى المُطلق
 
هل يمكن للاجتماع ــ الذي يتخذ المظهر الحياتي للدين، والذي يُعالج موضوعات نسبية متغيرة، زمناً ومكاناً ــ أن يصبح جزء من الدين، ويتحول بذلك إلى مصاف المُطلق؟ يكشف هذا التساؤل عن الهوة ما بين المفهومين، لكن تاريخ الأديان التوحيدية يشير إلى هذا الارتباط الوثيق والتداخل الأوثق.

فالتشريع على سبيل المثال يرتبط بالتاريخ، وبالتالي يختلف عن الكليات الدينية المُطلقة. فالنص الديني تراكمت حوله منظومات عدة من الرؤى والمفاهيم والأحكام، مكونة ثقافة دينية أوسع من منطوق النص ذاته، حتى أن مفردات هذه الثقافة، أو ما يُطلق عليها "التديّن" أصبحت جزء من الدين نفسه، وعن طريقها تسربت إلى الدين عقائد وتكاليف ذات دوافع سياسية واقتصادية وأعراف اجتماعية بدائية ــ قد تسبق زمنياً النص الديني ــ نجدها تحتكر الحقيقة، وبالتالي تشجع وتدفع نحو كراهية الآخر المختلف، وصولاً إلى نفيه تماماً، والتخلص منه ولو بالقتل.

الحضور التشريعي والنشاط السياسي

يُشير المؤلف إلى أن التشريع/القانون لم يسجل حضوراً مبكراً في الحالة الإسلامية، حيث خلت المرحلة المكية في الدعوة من أية نصوص ذات مضمون تشريعي، كما خلت في الوقت ذاته من أية إشارات أو وعود بالدولة، بينما أخذت هذه الوضعية تتغير تتدريجياً في العهد المدني، حيث بدأت النصوص التشريعية تظهر وتتزايد تزامناً مع تصاعد النشاط السياسي المرافق للدعوة والاتجاه بها نحو بناء الدولة.
 
 

علمانية الدولة الأموية

يرى المؤلف أن الدولة الأموية كشفت منذ بداياتها عن الروح العلماني، حيث لم يتم التطابق بين وظيفة الدولة وطبيعة الدين، فلم يزعم الأمويون أن وظيفة الدولة هي حراسة الدين، فقط صدرت بعض الحكام الفقهية، والمُستنبطة من النصوص الدينية وتأويلها ــ حسب الهوى ــ لخدمة وتبرير الاستبداد السياسي للحكام الأمويين. وهو ما يقوم به الآن فقهاء السلطة في الدول التي تتخذ من الإسلام دينها الرسمي. ويُلاحظ المؤلف أن تلك الفترة شهدت العديد من الافتراق السياسي، وتحول هذه الرؤى إلى مذاهب دينية، كل حسب مصالحه، مما أدى بدوره إلى التحرر من الرؤية السلفية التي كانت تفصل الحديث عن الفقه، فتقدم الحديث باعتباره وحياً موثق الإسناد إلي الله، وتعتبر الفقه مبنياً علي الحديث وليس العكس.

الدولة الحارسة للدين

بزعم حمل لواء الإصلاح الديني، قام العباسيون بتحديد وظيفة الدولة، وحصرها في حراسة الدين، فحدث تحول جذري حيث تم تكريس الدمج ليس فقط بين الدين والدولة بل بين المجتمع والدولة تحت مظلة الدين. وفي هذا السياق تكونت ثقافة التدين الكامل حيث حل الفقه كمنظومة أحكام موضوعية محل القانون المكتوب الذي كان يمكن تصور صدوره عن الدولة، كما حل الفقهاء كهيئة معنوية افتراضية محل مؤسسة تشريعية تصور قيامها كذلك ضمن مؤسسات الدولة.

الروح القبلي والتشريع الموحَد

لم تصدر الدولة الاسلامية طوال تاريخها قانوناً مكتوباً موحداً، وهنا يتساءل المؤلف حول هذا السبب، كاشفاً عن جذور أعمق من مجرد تضخم الدور الفقهي وقيامه بدور القانون، فالأمر يعود إلى السياق الاجتماعي الديني، الذي نشأت فيه الدولة من الأصل، فقد ولدت من رحم قبَلي لم يع من قبل فكرة الدولة، بل يقوم علي نظام تشريعي عُرفي، يختلف جذرياً عن دولة القانون، إضافة إلى أنها تكونت في سياق ديني، وأخذ اندماجها في الدين مساراً تصاعدياً بحيث صارت منظومة النصوص تشكل قانون الدولة المكتوب. الأمر الذي أدى إلى عدم وجود قانون واحد محدد المعالم، وإنما مجموعات متنوعة وأحياناً متضاربة من الأحكام والآراء المذهبية.
ومنذ الدولة العباسية وحتى الآن ــ عدا بعض المحاولات المتهافته ــ لم تخرج الدول المنتهجة الإسلام عن الناموس الفقهي،فتتم صياغة السلوكات الاجتماعية والأعراف وفق منطق النص الديني الخالص، ومحاولة جعلها مستندة إلى تأويل هذا النص أو ذاك، حتى أن هذه الممارسات تتصدر بعد فترة المشهد، وتصبح في مساواة قداسة النص الديني، إن لم تفقه في الواقع!

هناك تعليق واحد:

  1. لاشك بأن هذا الكتاب مهم جداَ لأنه يتناول الفرق بين الدين والتدين ولذلك فهو مرجع مهم خصوصاَ من كاتب يتميز بحس نقدى وتنويرى عالى خصوصاَ بعد كتابه المهم " السلطة فى الإسلام .

    ردحذف