إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، يونيو 20، 2013

فقرات مُختارة من سيرك المُتأسلمين

لم نزل نستمتع بعروض سيرك المتأسلمين، وكلما ارتهنت مخيلاتنا وتمنت بأن يكون عرض ما، هو العرض الأخير، إلا أنهم يفاجؤنها ــ مخيلاتنا المسكينة ــ بعرض آخر أكثر إثارة ورثاء لأرواحنا الحالمة. كثيرة هي العروض، حتى تكاد لا تحصى وتتسابق في الغرائبية، ولكننا سنختار بعضها، ليس بغرض انتقائي، ولكن بغرض التنوّع، وإن كان يضربها كلها مصطلح "الكوميديا" الحائر بين تحرير المرأة والمقهى الإسلامي، واستعانة المتأسلمين بخبراء أجانب لتوضيح وشرح فضائل مصر للشعب، الذي من المفترض أن يُسمى بالشعب المصري!
 
تحرير المرأة على نهج التأسلم

طالعتنا مؤخراً إحدى مذيعات قناة "ماريا" الشهيرات ــ القناة قاصرة على المُنتقبات فقط ــ والمعروفة بـ "رضوى"، والمكنية بـ "أم مُعاذ" بأن تحرير المرأة يبدأ من عدم تحديد سن النِكاح ــ لاحظوا اللفظ ــ وأن سَن أية قوانين تحدد هذا السن، يُعد مخالفة للشريعة الغراء. وجاءت الإعلامية المنتقبة بأمثلة لا تحصى من التاريخ الإسلامي المجيد، البعيد عنا بما يُقارب الأربعة عشر قرناً، دون اعتبار لظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة وأولى بحل مشكلاتها الأساسية في بلد مثل مصر، يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر.

من ناحية أخرى أكد الشيخ "أبو إسلام" صاحب القناة، أنه من حق ولي الأمر "الحاكم" أن يدعو المسلمين للزواج من امرأتين إذا رأى أن صلاح المجتمع في ذلك. " أبو إسلام" هو مَن قام منذ فترة بتمزيق الإنجيل أمام الكاميرات، بدعوى أنه كلاماً باطلاً ومُحرّفاً، ولم يزل مرهوناً بتهمة ازدراء الأديان أمام المحاكم.
 
 
المُلاحظ أن صاحبة دعوة التحرير هذه لم تكن الأولى التي أرّقتها مشكلة المرأة، بل سبقها العديد من مُحترفي تقديم ما يُسمى بالبرامج الدينية على شاشات الفضائيات، وقد أفتى بعضهم بأن الجهاد في سبيل الله من الممكن أن يتخذ شكل الزواج ــ النِكاح كما تحب آذانهم سماع هذه الكلمة المتحفيّة ــ من قاصرات سوريا النازحات إلى مصر، لأنهن مُسلمات ومؤمنات وأحق وأولى بالمعروف، وسيتحمل الرجل المُسلم ذنب تركهن وحيدات شاردات، بلا مأوى!
 
الجيتو الإسلامي
مفهوم "المقهى" في المدن الكبيرة لا يقتصر على كونه مجرد مكان لاحتساء الشاي والقهوة والتدخين، بل عالم متكامل يجمع نماذج متباينة من البشر، فهو من الأماكن الدالة على وجود المدنيّة. وقد تناول الفن والأدب المقهى كعالم بذاته، يختصر سمات شخصيات وأفكار عصر ما، ولعل أعمال نجيب محفوظ خير دليل على ذلك.
هذه ثقافة المدن، أما ثقافة الصحراء، التي تزحف على القاهرة الآن وفق المشيئة الواهمة للمتأسلمين، فمآربها الأخرى تتسارع لتقسيم حياة الناس في المكان الواحد إلى ديار متأسلمة وديار كُفر.
ونستعرض الآن ما يسمى بـ "المقهى الإسلامي" أو "الكافيه الإسلامي"، وهو مكان يفرض شروطه وطقوسه الإسلامية على مرتاديه، دون أن يُفرّق بالطبع بين عربي أو عجمي إلا بمدى التزامه بالسير على صراط التأسلم، لذا فلا نستغرب من وجود بعض الأقباط، حتى تنتفي عنه صفة العنصرية.
المقهى يقع في منطقة راقية بالقاهرة، لا يؤمه إلا الميسورين نسبياً، مقارنة بباقي فئات الشعب، فهو مقهى الأقلية المُترفة.
من ناحية أخرى يقدم المقهى المشروبات الساخنة والباردة، ويسمح للرواد باستخدام أجهزة اللاب توب ــ لا توجد ألعاب المقاهي المُعتادة كالطاولة أو الشطرنج أو الكوتشينة باعتبارها من المُحرّمات ــ والرواد من الجنسين، مع ملاحظة أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام لا يلتقون أبداً، واحد للشباب وآخر للفتيات، وأخير للعائلات. إلا أنه لا يُسمح بالتدخين مُطلقاً، فلا ضرر ولا ضِرار. وإذا انخدع ــ لسوء الحظ ــ شاب وفتاة ودخلا، واتضح من تصرفاتهما أنهما لا تربطهما علاقة شرعية ــ لا محل للصداقات بالمكان ــ يقوم أصحاب المقهى بكل هدوء بمطالبتهما المغادرة فوراً، أما كيفية استبيان أنهما لم يسيرا وفق الطريق الشرعي، فسيظل سراً وحِكراً على أصحاب المكان فقط! أما الأصوات المصاحبة لهذه الجلسات المتأسلمة، فهي أناشيد وأدعية دينية، تتسرب إلى المكان، أغلبها دون موسيقى، فقط أصوات حادة لعدة ذكور، يحمدون ويشكرون على الدوام ربّهم الرحيم الغفور. كما أن النُدُل عبارة عن شباب موفور الصحة والبنية، أغلبهم ملتحٍ، يطوفون على الرواد بما أحلّه الله.
 
محاولات إدعاء التميز الباهتة دوماً، لا تأتي سوى من مجموعات أو جماعات بشرية لا تثق في قدراتها، فتصيغ من المظاهر أصلاً من الأصول، وتوهم نفسها بأنها الوحيدة التي تمتلك الحق، وكل ما عداها باطل. المسألة ليست مجرد مكان له طقوسه، ولكنه محاولة سيستميت مُترفوها لإنجاحها، على أمل تحصيل متاع الدنيا والآخرة معاً، ولا عزاء للأغلبية الضالة، التي تطالع فتاوى الفضائيات، وتتوسل طريقها بصعوبة وسط أماكن ضيقة وخافتة الإضاءة، بفعل جدران لوّثتها سُحب دخانهم الآثم، وضحكاتهم وألعابهم المُحرّمة.
ولا نملك سوى انتظار فقرة أخرى من فقرات السيرك القويم، ربما استطعنا اختلاس بعض الضحكات وسط هذا الجو الخانق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق